يرفع بهما شباب لبنان ورجاله ونساءه جثث وأشلاء ذويهم. يا لتلك الآلام التي يتخلق منها بشر حقيقيون. هكذا يتخلق المستحيل من الممكن.
احتمال أن يرجع أي منا "كما كان" قبل الأحداث، هو الذي ينبغي أن نرفضه حتى الاستحالة، إلا إذا كنا نسعى إلى مزيد من المهانة، والمذلة، والسلبية، والغش، والتخلف: لا يمكن أن يعود لون الشجر، ولا طعم العنب، ولا مناهج التعليم، ولا زيف العلم، ولا اغتراب الوعي، كما كانوا قبل ذلك، وإلا.. فنحن نستأهل كل ما يجرى لنا، بما في ذلك أن يشكلونا شرقا أوسطا "توصيل المنازل".
إعلان أن حرب أكتوبر كانت آخر الحروب كان أقبح ما حام حول كامب ديفيد، شروطي -شخصيا- لقبول تلك المعاهدة -وقد قبلتها فـرِحا بأرضي- كانت أن تُسرح كل جيوشنا، مقابل أن يُعـَد كل الناس -فورا ودائما- ليكونوا رجال مقاومة طول العمر طول الدهر، فتكون حرب أكتوبر هي بداية كل الحروب الحقيقية الدائمة، مَنْ أنا حتى أُملي شروطي؟ فأمْلاها حسن نصر الله ورجاله، فصار المستحيل حتما ماثلا رأى العين.
أما ما أوهمونا أنه مستحيل فهو أن نكون شركاء في تكوين عالمنا الكوني الجديد، مع أنه حتم جارى تجهيزه فعلا بالتنوع الخلاق والتواصل الضامّ، هكذا:
* سوف تسقط كل الحكومات الأصولية والاستهلاكية الترفيهية.
* سوف تتعملق زيفا وكراهية كل الشركات الحاكمة العملاقة، فتتفجر الكروش والعروش.
* سوف تختفي السلطات الدينية اللاهوتية التي حالت بين الناس وربهم.
* سوف يتراجع الإرهاب حين يكتشف الشباب أن ثـَـمَّ َطريقا أكرم وأروع يحسو من كأسه "خمرة الموت الزؤام".
* سوف يتولد شعرٌ "يعطى للألفاظ معانيها"، لا يحل محل الواقع تحريضا خائبا، أو بديلا متناثرا.
* سوف يحضر ربنا في وعينا كلنا "هنا والآن"، فيذوب وقود الكراهية والتحريض الذي يملأ مواقع "النت" بتشنجات كل الأموات الذين يحسبون أنفسهم أحياء حين لا يرون الحق إلا فيما يعتقدون.
* سوف يتواصل البشر من وراء الحكومات والشركات، لتتراكم نبضات الفرح، والحزن، والغضب، والفعل، والمعنى، والكل، واللاشِرك، فنصنع لهم ولنا ومعهم العالم الغربي الجديد، فالعالم الشرقي الجديد، فالعالم الشمالي الجديد، فالعالم الجنوبي الجديد، فيتخلق من كل ذلك: العالم الكوني الحقيقي.
لقد بدأ العد التنازلي فعلا وناس العالم تتواصل مباشرة من خلف ظهورهم بتخليق أمريكا الجنوبية الجديدة، أوربا الحقيقية الجديدة، نقاد ومبدعو الولايات المتحدة الجدد. هذا كله هو ما ينبغي أن نستقبله من معنى ما يفعله نصر الله ورجاله وبلده على الأرض وسط الدم والأشلاء، ولتستمر الحروب بكل لغة في كل مجال، الحروب التي يستحيل أن تكون آخر الحروب ما دام الناس يسعون لإحقاق الحق.
(يا لخجلي وأنا أكتب هذا الكلام جالسا على مكتبي هكذا!! سامحوني).
الدستور 9/8/2006
اقرأ أيضا:
تعتعة سياسية حتى لو أجهضوها ألف عام! / أدنى من النمل الأبيض!!! / تعتعة: معنى آخر لـ: حسن نصر الله