في الثامنة والربع من مساء الخميس السابع عشر من أغسطس 2006 هبطت بنا طائرة الخطوط الجوية المصرية في مطار دمشق، أخيرا تطأ قدمي تراب ذلك البلد الحبيب الذي طالما تمنيت زيارته وحاولت في كل مرة زرت فيها لبنان أن أزور سوريا ولم يتيسر ذلك، وكنت قد حكيت هنا على مجانين كيف حاولت دخول سوريا من لبنان عدة مرات وكنت في كل مرة يمنعني أن التأشيرة لن تمكنني من العودة إلى لبنان، وصلنا وتوقفت عجلات الطائرة، وحملت حاسوبي وحُلَّتي وخرجنا من الطائرة أنا وزميلتي المستشارة داليا الشيمي، وفي المقابل رأيت لافتة وسهما يشير إلى غرفة المدخنين وإلى جوارها علامة ممنوع التدخين، وكنت في حاجة لممارسة إدماني على النيكوتين، فانتهزت فرصة عدم ظهور رفيقتنا في الرحلة الأستاذة سمر دويدار المشرفة على القسم الاجتماعي بإسلام أون لاين، انتهزت الفرصة وقلت لداليا إذن سأدخن إلى أن تظهر سمر، ورأيت على الكراسي المصفوفة تحت اللافتة منفضة سجائر كبيرة واثنين يدخنان فسألتهما وأنا أمسك علبة السجائر في يدي أليس التدخين ممنوعا هنا؟؟؟ فضحكا وقالا: مصري؟ قلت نعم فقالا هون زي عندكم ما حدا يهتم باللافتات!.... فشكرتهما وابتعدت قليلا وأشعلت سيجارتي! وأنا أشعر بشيء من الألفة مع البلد الذي أزوره لأول مرة، أخيرا إذن ها أنا في سوريا.
لم تظهر الأستاذة سمر ولم تكف داليا عن لومي لأنني أعرف أن الأستاذة سمر بالتأكيد سبقتنا خاصة وأن كرسيها كان في الجزء الأمامي من الطائرة بينما كنت وداليا في آخر صف في المقاعد، وكان واضحا أنني فقط أود التدخين، تحركنا أخيرا إذن، وعند طابور إظهار الجوازات وجدنا الأستاذة سمر التي استأذنت لنا من الواقفين خلفها وذلك قبل أن تكتشف أننا لم نملأ استمارة البيانات المطلوب تسليمها للضابط، وذلك لأن مضيفة مصر للطيران -ثقيلة الدم- قالت لنا ليس عندي استمارات إلا للأجانب عليكم أن تملئوا استماراتكم في المطار، فما كان منا إلا أن عدت أنا وداليا أدراجنا إلى طاولة في الخلف والتقط كل منا واحدة من الاستمارات، ومتكئا على طرف تلك الطاولة كان واحدَا من الضباط سألني: عندك إقامة بلبنان قلت له أنا مصري ولدي تأشيرة لدخول لبنان فقال لي أعطني جوازك، قلت له سأملأ الاستمارة أولاً لأنني لا أحفظ كل البيانات فقال لي بلهجة آمرة: ما يفيدك أعطني الجواز! وعندما همت د.داليا بإعطائه جوازها قال لها لا أنت لا فضحكت قائلا طبعا كل رجل أصبح مشروع إرهابي، وأكملت داليا الدعابة قائلة النساء أخطر فقلت لها يبدو أنهم في سوريا لم يدركوا ذلك بعد.
أكثر من ثلث ساعة مضت وأنا... وكثيرون من الرجال القادمين من مصر منتظرون رجوع السيد الضابط من الغرفة التي دخلها.... ولا أحد يفهمنا لماذا.... سمعت جزءًا من حوارٍ بين ضابط أمنٍ آخر وسيدة كانت تسأله عن سبب ذلك فيما يبدو فقال لها ما لكم ذنب لكن هناك أزمة مع الحكومة اللبنانية! لم أكن سمعت الجزيرة في ذلك اليوم لذلك لم أعرف ما هي الأزمة، وسمعت أخرى تصيح ردا على ضابط آخر لم أسمع ما قاله لها "نحن شعب منكوب كيف تعاملوننا بهذا الشكل" كانت لهجتها لبنانية ولم أتمكن من متابعة الموقف بعد ذلك لأن الضابط الذي سحب جوازي عاد حاملا مجموعة الجوازات ووقف ينادي كلا باسمه ليسلمه جوازه ولم يعرف أحد لماذا!
وقفنا بعد ذلك في انتظار حقائبنا طويلا حتى شككنا في أننا نفتش في أمتعة طائرة أخرى، ولكننا أخيرا خرجنا إلى خارج المطار فكانت المفاجأة أن كل شيء تقريبا يذكرك بالقاهرة! الشوارع –ربما تكون أقل اتساخا لكنها هي هي- والناس ربما أكثر هنداما لكنهم هم هم حتى أن داليا قالت ضحكت علينا يا سمر ولم نسافر نحن في القاهرة،..... والحقيقة أن وجه الشبه كبير فعلا حتى "الميكروباصات" وعربات التاكسي والبنايات التي تشبه تحديدا بنايات الحقبة الناصرية، كان شيئا مفرحا ويشعر بالزهو.
ورغم كل ذلك كنا في غاية الأسف لأن الوقت تأخر فلم نخرج من المطار إلا في العاشرة مساء وكنا نود رؤية شيء وربما شراء أشياء من دمشق وسوق الحميدية يغلق في العاشرة، وصلنا إلى الفندق، ومنه أخذنا سيارة أجرة لنرى سوق الحميدية ولأن سمر تعرف محلا لبيع البوظة (الآيس كريم)، وفعلا وصلنا ودخلنا السوق.. صحيح أن معظم المحال كانت مغلقة لكن السوق كان مزدحما وعلى طوله كانت لافتات التأييد لحسن نصر الله وللمقاومة إضافة إلى صورٍ تجمع بين السيد حسن نصر الله والرئيس السوري، وكلمات ومبايعات وفي آخر الطريق كان المسجد الأموي مغلقا بالطبع، تعشينا وعدنا أدراجنا لا ندري إن كنا سنعود في الغد لنفس المكان أم أننا سنسافر مبكرا إلى بيروت؟
ويتبع >>>>>>>: الطريق من دمشق إلى بيروت
اقرأ أيضا:
لبنان لماذا؟ وفلسطين والعراق لا؟ مشاركة / ليه مش بتمسك إيدي، مشاركة