ساخن من لبنان السبت 19-8-2006
ما تزال المشاهد المروعة التي اختزنتها الحواس في ضاحية بيروت الجنوبية تهاجم الوعي بين اللحظة واللحظة...... وما تزال فكرة أو تساؤل كيف يجب أن يكونَ تعمير لبنان هذه المرة مختلفا عن كل المرات السابقة.. ما تزال فكرةً ضاغطة علي... كيف؟
إن أمة بلا غطاء جوي في صراعها مع عدو يمتلك تفوقا جويا لا جدال فيه يجبُ أن تتخذ من التدابير ما يجعلها أقوى على المقاومة والمراوغة أليس كذلك؟ من غير المعقول بعد كل ما حدث أن يكونَ اعتمادنا مستمرا على مجلس الأمن والأمم المتحدة... من غير المعقول بعد كل ذلك التحيز المعلن والمستمر وغير المشروط لإسرائيل أن نظل ننتظر الإنصاف في قراراته ونعتمد عليها لحماية أهلنا، ومن غير المعقول أيضًا أن نلتمس الحماية في أي من المواثيق أو الأعراف الدولية التي نعرف أنها لا تلزم إسرائيل البتة، لست بحاجة لأسأل هل مرةً نفعنا مجلس الأمن أو أنصفتنا الأمم المتحدة؟؟
أحسب أننا نحتاج طريقة جديدة في إعادة التعمير، فلا يمكن أن نقيم مكان البناية ذات الطوابق العشر –والتي قصفها طيران إسرائيل بثانية واحدة فصارت ركاما وفيها العشرات من أهلنا- لا يمكن أن نقيم مكانها بناية أخرى ذات طوابق عشر! مهما تحدثنا عن صلابة البناء لا يمكن، فحين تكونُ زنة القذيفة 24 طنا من المتفجرات وحين تكفي عدة ثوان لتسوية عشرات البنايات بالأرض بطلعة جوية واحدة.... حينئذ لا يمكن أن تكونَ إعادة الإعمار بنفس الشكل القديم مقبولة منطقيا!
تؤلمني كذلك فكرة إعادة الإعمار بشكله المعتاد لأنني أعرف أن المستفيد الأول والأخير منها هي شركات أجنبية وإذا كنا نمتلك ما نزال القدرة على التذكر فإن سيناريو إعادة الإعمار تكرر كثيرا مرةً في الكويت ومرة في أفغانستان ومرة في العراق وعرفنا كيف يتم التعامل مع البلد المدمر وكأنه كعكة والكل يتنافس من أجل الحصول على أكبر قسمٍ منها!
لماذا لا يكون إعمارنا بشكلٍ مختلف؟ شكل نعتمد فيه على بيئتنا وأيدي بنائينا.. إن ما رأيته على جبل بيروت من بيوت مبنية بالحجر المأخوذ من الجبل نفسه وكثيرٌ منها طابق واحد، يمثل نموذجا لا أظن الاقتداء به صعبا.... أعني علينا أن يكونَ ما نستورده من أجل إعادة الإعمار أقل ما يمكن وأن نستعين بالمتوافر في بيئتنا فنكسب بذلك أولا القدرة على التخفي والتمويه وثانيا نستطيع من خلال التمدد الأفقي أن نشتت عدونا ونجعل مهمته أصعب، فالعدو الذي يستطيع الآن قتل مئاتٍ من السكان في بناية واحدة بقذيفة واحدة وطلعة جوية واحدة ماذا سيفعل إذا جعلنا لكل عائلة منزلا ذي طابق واحد؟ ماذا سيفعل الصهاينة عندئذ وكم عدد الطلعات الجوية التي سيحتاجون وكم عدد القذائف وكم يكلفهم ذلك؟
فمثلما نحن متأكدون من أن إسرائيل ستعيد الكرة ومتأكدون من أنها ستهزم أيضًا ولو ألف مرة، فإننا متأكدون من أن تكاليف الحرب إذا أصبحت باهظة فإنهم سيصبحون أكثر عجزا وأقل قدرة على التدمير من الجو الذي يتفوقون فيه.
لقد لاحظت من أول يوم خطوت فيه داخل لبنان بعد وقف إطلاق النار كثرة عدد لوحات ولافتات الدعاية لحملة إعادة الإعمار كما لاحظت تكاثرها وتزايدها يوما عن يوم بشعارات وتعبيرات مختلفة ومتعددة وفيها إبداع، فالمناخ العام في لبنان يوضح أن لبنان الذي اعتاد التعمير بعد كل تدمير ليست لديه مشكلة في إعادة البناء، ولكن هل الأمر بهذه البساطة أليس من المهم أن نعرف كيف وبأي مال ولمن سندفع وكيف سيكونُ البناء الجديد؟؟؟ عرفت أيضًا أن هيئاتٍ غير حكومية ستتولى الجانب الأكبر من عملية إعادة الإعمار، فهل سيعني هذا أن كل هيئة تدفع ستقرر لمن تدفع وبأي شكل ستبني؟ هل سيعني ذلك غياب التنسيق مرةً أخرى أتمنى ألا يكون ذلك.
يا ترى هل سيدرك أهلنا في الجنوب ما يتوجب فعله في المرحلة المقبلة؟ وهل سيمنحهم ما أثبتوه من صمود وعزة وكرامة -منحتنا نصرا لا نستحقه- هل سيمنحهم ذلك إذنا بأن يتوسعوا أفقيا قدر الإمكان؟ أنا لا أستطيع تصور أننا سنبني بناياتٍ كالتي كانت في الضاحية ليدمرها العدو الغاشم في ثوانٍ فيقتل من أرواحنا كثير! وكثير، وما لدي هي مجرد فكرةٍ أو تصور ولست مختصا لا بالهندسة ولا المعمار فهل يساعدنا المتخصصون بالأفكار في هذا الصدد؟ وهل أنتم معي في وجوب التعمير بشكل مختلف؟ ألا هل بلغت اللهم فاشهد!
ويتبع >>>>>>>: من قلب لبنان الصامد ساخنا لا بارد
اقرأ أيضا:
لبنان لماذا؟ وفلسطين والعراق لا؟ مشاركة / ليه مش بتمسك إيدي، مشاركة