صباح جديد، مازلنا في الحر رغم أكتوبر، والقمر ليلة أمس هو بدر 14 دون شك، ساطع في كبد السماء يتحدى من سبقونا بصيام يوم، شاهدا على خيبة ما تزال تحكم عقول بعضنا!!
كلمتني أمس تسأل عن الذاكرة والتركيز، وللمرة المائة أشرح ثلاثية ( التركيز) الذي يؤدي إلى ( التخزين) السليم، وبالتالي إلى ( الاستعادة) السلسة حين استدعاء المعلومات. عند الأصغر سنا فإن الخلل يكون في التركيز أساسا، وبالتالي في التخزين، وفي هذا تحدثنا، وشرحت لها.
أسير في وسط الناس أجس نبض الحياة اليومية لأهلي من حولي، وأحس بهم في كسلهم الرمضاني اللذيذ، وأشواقهم المكبوتة، أو المجهضة لصلاح الأحوال، ومستقبل أفضل للعيال!! لهفتهم لحياة عاصية تتمنع عليهم، ولا تكاد تبتسم في الوجوه إلا بعد أن تسألنا واحدا واحدا: من؟ وابن من؟ وبكم؟!
مصر تشبه سيرك حقيقي يلعب فيه الحواة من كل حدب وصوب، وتتنوع فيه الألعاب فمن سائر على الحبال، وأكلة النار والمسامير، وإلى ترويض الأسود والكلاب، وألعاب الهواء المعلقة، إلى السحر أو خفة اليد!!
مولد كبير تدخله فتفقد التركيز، وتنسى حتى نفسك!! وتنشغل إما باللعب أو بالفرحة أو على الأقل تحافظ على ما في جيوبك لأن النشل في الموالد هو مثل ومضة البرق!! ألعاب.. ألعاب.. ألعاب، وفي غمرة السرك والمولد يهرب التركيز، ويغلب النسيان، وتشيع الغفلة وأخلاق اللعب والازدحام!!
بالأمس كنت في سيناء، ومن قبل أسابيع كنت غاطسا في المتوسط من جهة اليونان، وفي البحر مثل الصحراء تشعر بنعمة التركيز، وتعود إليك الذاكرة وتتأمل! ولا أدري كيف يمكن حل هذه المشكلات بالنسبة للمصريين؟! كيف تتوافر لهم الفرصة للتركيز والتفكير والتذكر؟! وكم يحتاج المصريون إلى هذا؟! هل هناك أحجبة أو أوراد أو حتى عقاقير ضد الغفلة والدهولة والنشل؟!
كل شيء بمعنى كل شيء تتم سرقته مثل النشل في الموالد، ولا أحد يكاد يمسك بيد اللص، وهي داخلة في جيبه، ولا وهي خارجة، والمصريون محتاجون لمن يذكرهم بهويتهم وتاريخهم وأدوارهم بينما تتورم معرفتهم بما لا يفيد العلم به، ولا يضرهم جهله!!
بعضهم منهمك في تعلم فنون اللعب لينتقل من صفوف المشاهدة إلى وسط حلقات الأداء، وبعضهم مستسلم للندب على ما ضاع أو سرق، وآخرون يتحدثون بصوت منخفض أو بصوت عالي يفسرون الماء بعد الجهد بالماء، أو يعظون الفقراء حول المعاصي الصغيرة متحاشين ظاهر الإثم الأكبر، وعظائم الأمور، والكبائر الأخطر!!
يختصرون الشر في تأخير الصلاة عن موعدها، أو في سفور فتاة تحاول لفت الأنظار لتتزوج وتستقر!! ويمسخون الخير إلى مجرد ذكر أو صوم أو تسبيح ساحبين تركيز الناس بعيدا عن معالي الطاعات، وأصول الفرائض والواجبات في نهضة الوضع الخاص والعام، وحقائق محاربة منكرات التخلف والانحطاط، وتشجيع المعروف بمعناه الواسع والأصلي، وليس مجرد فعل الخيرات البسيطة، وبذل الصدقات، على أهمية العبادات بالطبع!!
ويحتاج المصريون إلى عملية إنعاش ذاكرة، وكثيرا ما سمعت أقوالا مرسلة تقرر أساطيرَ مختلفة عن تاريخنا، بحيث صرنا تقريبا نستهلك تاريخا موازيا للتاريخ الحقيقي المغدور به!! وترى من يفهم ويخوض مع الناس وبهم حروب التركيز والذاكرة في مصر، وفي بقية العالم العربي، حيث نفس الآفات تستشري، وإن كان حجم السيرك أصغر، وعدد الألعاب في مدن الملاهي أقل!!
ربما نحتاج للبحر وللصحراء وغيرهما من الأماكن والملاذات الآمنة لتمكين التركيز والتفكير!! ربما نبدأ بالبحث عن المساحة والمكان!!
اقرأ أيضًا:
على باب الله؛ ماذا نقول إذن؟!/ على باب الله: الإيمان؛ قصة ومناظر