لم يكن ابن عبد الله ينتظرُ أن سأعقد العزم وأقرر السفر في ليلةٍ من ليالي رمضان إلى القاهرة بعد الإفطار لأي سببٍ كان، ولذلك ربما تردد في دعوتي لندوة منتدى الجنوب التي عقدت في ساقية الصاوي الأحد الماضي 15/10/2006 وكان الغرض من الندوة هو استعراض ما قدمه عددٌ من التنظيمات والمؤسسات الأهلية من دعم للبنان الحبيب أثناء وبعد الحرب، وسألني أحمد قبلها بعدة أيام وأعلنت له ترددي في مسألة السفر هذه وقلت في سري لن يغفل ابن عبد الله عرض ما قدمته مجانين.... ولا داعي إذن لسفرٍ كهذا لحضور ندوة رمضانية تبدأ في التاسعة والنصف مساء وربما تستمر حتى منتصف الليل على الأقل، وهو ما يعني أني سأحتاج ساعة ونصف على الأقل بعد ذلك لأعود بيتي في الزقازيق، ورغم ذلك هاتفني أحمد يوم الجمعة وكرر دعوته قائلا لماذا لا تجهز في رأسك تجميعا لما قامت به مجانين وتأتي لتعرضه بنفسك؟ قلت له إن شاء الله سأفعل.
وعلى عجلٍ طلبت من رئيس التحرير أن تعدَّ ملفا لما قدمناه في موضوع لبنان فقد بدأنا بمدونتي نوم في غير وقته ثم كتبت رئيس التحرير عن اغتيال حرية عروس العرب لبنان، وبعدها كتبت: يحيا حزب الله ثم كتب أحمد عبد الله عن أشباح بيروت، وبعدها كتب هذا الذي أفعله..المجد للمقاومة، ثم رسائل فك الحصار 24 /7 /2006، وفي نفس الوقت تقريبا كتبت داليا الشيمي: تعليقا على حالة خرسٍ عام عابرة أصابت المصريين فقالت: لم يعد خرساً زوجياً فقط.. اللعبة عامة، وبعدها دونت: سبقنا شعبولا، ولكن سوف نبدأ، وأرسلت لها ما حكته لنا ابنتنا صديقة مجانين السورية سماح محي الدين عن يوم قضته مع اللاجئين من لبنان وهي واحدة من صناع الحياة بدمشق، ثم بدأت داليا الشيمي تكتب على مقالات متنوعة سلسلة وعدت بإكمالها ولم تفعل........ هي سلسلة ألف باء مساندة نفسية هيا نتعلم فلم تبعث لنا منها غير ثلاث مقالات ثم شغلها العمل الشاق مع إسلام أون لاين.
أيضًا أرسلت ابنتنا داليا يوسف التي كانت مع زوجها في لبنان في أوائل أيام الحرب فكانت بالنسبة لمجانين أول شاهدة عيان على ما يجري في لبنان، وفي نفس التوقيت أسعفتنا الأستاذة أمل عيتاني -الصحفية اللبنانية- من داخل لبنان بسلسلة ساخن من لبنان دفقة أمل، والدكتورة داليا مؤمن بسلسلة الدعم النفسي... طريق لبنان (4)، وكتبت أنا يا سلام على لبنان ووضعت مقطعا من أغنية عبد الحليم حافظ التي تحمل نفس الاسم ليسمعه كل زائري مجانين، وتتابعت المشاركات والمدونات والمقالات حتى انشغلت أنا شخصيا مع مشروع إسلام أون لاين للمساندة النفسية حيث سافرت ضمن الفريق لتدريب المتطوعين على الدعم والمساندة النفسية وكيفية التعامل مع النازحين وكتبت ذلك كله بعد على مجانين.
بدأ ابن عبد الله الندوة بتقديم سريع عن الموضوع والهدف من اللقاء، ثم عرض ما قدمه موقع إسلام أون لاين من حملة دعم وتدريب يسافر خلالها المستشارون إلى لبنان ويقومون بالتدريب ووضع البرامج اللازمة في تفاعل مباشر مع أهل لبنان على أرضهم الزكية الطيبة، وبعد ذلك طلب مني أن أعرض ما أنجزته مجانين والحقيقة أنني أوجزت لأنني لم أكن أود أن أكون أحد أسباب تأخري في العودة إلى الزقازيق خاصة وأنني عرفت أن قائمة من سيعرضون مساهماتهم طويلة، وقلت في نفسي أن ما نقوم بتوزيعه على الحاضرين مطبوعا في ملف بلاستيكي جيد سيتولى بقية التعريف بما قدمته مجانين؛
وجلست أستمع إلى بناتنا من موقع عشرينات وقد أبلين بلاء حسنا بارك الله فيهن وفي زملائهم من الذكور الذين لم يحضر اللقاء منهم أحد لكنهم شاركوا مشاركة جيدة في العمل نفسه بالتأكيد، بعد ذلك عرضت طالبة وطالب -نسيت اسميهما للأسف- من طلبة الجامعة الأمريكية بالقاهرة عن مشروع الثلاثة وثلاثين يوما الذي بدؤوه في الجامعة، وعرضت ممثلة لصناع الحياة أيضًا ما قاموا به من جمع للمعونات بدأ صغيرا وانتهى بما يشبه الحملة الشعبية بارك الله فيك يا مصر.
كان من المشترك بين بنات موقع عشرينات وطلبة الجامعة الأمريكية أنهما من جيل لم يعش حربا كبيرة بين العرب وإسرائيل من قبل وكانت -كما قالوا- صورة الحروب القديمة مشوشة في أذهانهم وأقروا بأنهم كانوا بحاجة في البداية لجمع معلومات بدءًا من الحقائق عن علاقة إسرائيل بجيرانها من العرب، وربما يبين ذلك كيف أن لنا كشعوب ومؤسسات دورا في جعلنا أمة بلا ذاكرة مع الأسف! فهناك بالفعل عدة أجيالٍ مع الأسف لا يعرفون الأبعاد الحقيقية لعلاقتنا بإسرائيل......
وشكرا إذن لما اقترفته الأخيرة فأيقظت نياما من أجيال بارك الله فيهم وكثَّرهم حتى يصبحوا الأغلبية الواعية إن شاء الله، شاركت أيضًا ممثلتان عن جمعية أهلية أسِّست في السويد تهدف إلى وتسمي نفسها جمعية التسلح الخلقي ولها أنشطة متعددة كان من أهمها في الفترة الأخيرة إيضاح الصورة الحقيقية لما جرى في لبنان في الحرب السادسة، أبدت إدراكا واسعا عميقا لكل ما دار في الندوة قبل حديثها وشبكت بين ما قاله ابن عبد الله وما قلته وما قلته ممثلة صناع الحياة وممثلتي عشرينات وممثلي الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وأخيرا كانت مفاجأة الندوة الدكتور العراقي عمر الراوي:
صعد الرجل إلى المنصة قدم نفسه بأنه طبيب وجراح مخترع وظل يعد في لهجة بدت أبعد ما تكون عن الفخر، وأي فخر يستطيعه عراقي مخلص في مثل هذه الأيام، وأخيرا قال أن له اختراعات مسجلة في أمريكا وغيرها من البلدان وأنه جاء مصر من سوريا التي لجأ إليها واستغرق استخراج تأشيرة دخوله إلى مصر ستة أشهر وليس من سبب لذلك غير أنه عراقي! تخيلوا؟؟ هناك ما يشير إلى أن العراقيين أصبحوا يعاملون كالمسجلين خطر في إطار الحرب على الإرهاب، ليبين لنا كم المرارة والخيبة التي يعيشها لكونه عراقي سني أي مقاوم بالتأكيد، وكان ما بدا دعابة بينما هو حقيقة مؤسفة قال أنه لا يستطيع أن يمشي في العراق ومعه هوية فيها أن اسمه عمر ولذلك فهو يحمل هوية أخرى -مزورة طبعا- تقول أن اسمه العباس!!!!.
الحقيقة أنه أفزعنا بكثيرٍ مما روى، إلا أن أحد أهم النقاط التي فجرها في تلك الليلة هي مسألة تقصير الشعوب العربية في دعم شعب العراق الذي يموت واتهم الجميع بما في ذلك الجزيرة والحاضرين كلهم طبعا بأنهم لم يفعلوا شيئا لشعبه الذي قتل منه حسب الاعتراف الأمريكي -شبه الموثق- أكثر من 650,000 -وقال أن أغلبهم من سنة العراق- وأن في ذلك غبنًا لحق أهلنا في العراق مقاومين ومقتولين حتى وهم -مسالمون غير مقاومين-،.......... أرغى الرجل وأزبدَ مؤلما في جل ما قال وهو يرينا سواءاتنا كأفراد أمة واحدة نسوا أنهم أمة أو حتى جزءًا من أمة؛
واتهم الجميع بأنهم لم ينتبهوا حتى لازدواجية المعايير التي أصبح العرب يتعاملون بها مع الأحداث -وهى بالمناسبة نفس ازدواجية المعايير التي كانوا يترجون أمريكا أن تكف عنها فيما سبق من سنوات- ومن الآن يتصرفون بنفس ازدواجية أمريكا ولا يشعرون أن يفعلون شيئا لا يصح على أقل تقدير!! -إذا كنتم تريدون الحق أنا في رواية ما قاله الرجل قد أكون غير دقيق فكلانا كان منفعلا لأنني معه وأشعر به في نفس الوقت الذي أشعر فيه بحال الجميع، أقول لهذا لأنني بصراحة غير واثق من أنني لم أضع بعض ما أتمنى في سياق حديث قد ينسب له-.
ما علينا الآن من الكلام عن الذاكرة المنهكة لكنها على أي حال أفضل من ذاكرة أمتنا الرسمية، المهم أن الدكتور المخترع -المنفي اختيارا من وطنه الذي يضيع- تطرف في اتهامه للجميع وقال أن التناقض هذا في سلوكيات الشعوب لم تسجله حتى كتابات العرب ولا مناقشاتهم المسجلة وقال أنه اتصل بقناة الجزيرة وسألهم وطلب منهم أن يوضحوا للناس ما يجري للسنة في العراق، فلم يفعلوا... حسبما قال، وأنا في الحقيقة لا أوافقه في ذلك، المهم أنني عندما واصل اتهامه لمواقع الإنترنت التي لم تهتم إن انتبهت لتلك الازدواجية الغريبة في التعامل مع مع ما كان يحدث وما يزال يحدث وبشدة وكثافة أعلى هذه الأيام- للعراقيين في العراق وما حدث حدث للبنانيين في لبنان..... قلت له ولماذا نسيت ما يحدث للفلسطينيين في فلسطين؟ ألا ترى معي أن الأولى بالدعم الآن هي حكومة حماس المنتخبة التي يصرون لا مكنهم الله على إفشالها أو جعلها ترضخ لا قدَّر الله، فأجاب أنا معك.... فقلت له يا سيدي ولكنك ظلمت موقعنا مجانين لأنني نشرت عليه بتاريخ 06/08/2006 مدونة هي:لبنان لماذا؟ وفلسطين والعراق لا؟.
وتعددت بعد ذلك التعليقات وكان من بين ما نوقش أسباب تعطل المعونات للعراق وشعبه المأزوم والمتكرر الآلام مستمرها، ثم كان من المهم أن أسمح لما تقوله ساعة يدي بأن يكونَ محدد تصرفي، ولما كانت الساعة داخلة على منتصف الليل كان علي أن أجمع نفسي للعودة إلى الزقازيق.
أسوا ما في الموضوع أنني لا أدري حتى لحظة كتابة سطور هذه المدونة هل سأستطيع الحصول على بعض الصور من بناتنا في موقع عشرينات؟ يا ليت!.... طلبت من رئيس التحرير أن تدخل عشرينات... يا بختهم... كى تشوف لنا بعض الصور؛ ثم اتضح أنهن لم يلتقطن صورا وأما الصورة التي التقطتها أنا لأحمد فقد جاءت محمرة بشكل لا يجعلها صالحة، طيب يا ترب تبقى عندنا كاميرا خاصة لمجانين ويا ليت مصور متخصص، يا رب................ رمضان كريم.................. والمجد باقٍ للمقاومة، وحماس الآن أولى بالدعم والمساندة ألا هل بلغت اللهم فاشهد!
اقرأ أيضاً:
الفأر...والناس... وأنا....ومجانين / شيزلونج مجانين: ما الذي يجري لأمريكا؟