عندما نشاهد الغيوم في فصل الخريف؛ نعرف مسبقاً بأنّ الدنيا سوف تمطر. وكذلك الأمر عند مشاهدتنا وملاحظاتنا على طريقة السواقة, وحالة الطّرقات, وعدد السيّارات... فإننا نستطيع أن نعرف مسبقاً إمكانيّة حصول الحوادث والضّحايا...
أما المجتمع وطريقة تفكيره وعيشه؛ فمن ينظر إليها يستنبط إلى أي حائطٍ مسدود تمشي المسيرة الاجتماعية.
وللتّنويه: فإنّ الحياة الاجتماعية تكون عادة من عصارة تجارب كلّ الأجيال السّابقة؛ في مكان ما. كي تكون التّصرّفات المعاصرة خلاصة لتجربة كلّ الأجداد السّابقين. حتى لا نقع في المطبّات والمتاهات نفسها التي وقع فيها السّلف. فتعلّمنا التّجربة؛ الطريقة المثلى للحياة.
وهكذا على المستوى المادّي؛ توصّل الإنسان عبر التّجربة بالصّواب والخطأ وبالدّراسة؛ أن يجعل تنقّله بالطّائرة أسرع بكثير مما كان عليه في السّابق. وأيضاً بالنّسبة لاختراع السّيّارة, وشقّ الطّرقات, والتلفزيون, والهاتف والأبنية, وكل الأمور التي جعلت من الحياة المادّيّة المعاصرة حياتاً مثاليّة خالية من التّعب الجسدي.
أما على مستوى الرّوح؛ فماذا كانت النّتيجة؟
لم ننتبه عبر عصور التّطوّر؛ أنّ الإنسان مصنوع من روح وجسد. وأنّه علينا أن نتطوّر على المستويين بشكلٍ متوازٍ. وإلا لاستطاع المجنون بكبر عضلاته؛ أن يفتك بالنّاس وبالإنسانيّة, بواسطة القوة الحمقاء عنده. وهكذا نكون قد دمّرنا الحضارة, ولم نساعدها أبداً. إذاً فلننظر إلى أيّ فكر عهدنا قيادة القوة والطّاقة البشريّة المعاصرة. وهل أنّ هذه القيادة ستؤدّي إلى خلاص الإنسانيّة أو إلى هلاكها؟!.
الجواب يكون طبعاً عبر الملاحظة والتّأمّل.
فإذا تحدّثنا روحانيّاً؛ نجد أنّ هناك صراعاً بين قوّتين. قوى الخير وقوى الشّرّ. وذلك في نفس الكيان الإنساني, ونفس الكيان الاجتماعي, وليس في عالمين مختلفين.
للنّظرة إلى الصّراع يجب التّعرّف على الأسلحة المستعملة. لأنّنا في النهاية سنجد منتصراً بين الاثنين, وعلى جثّة الإنسانيّة وحضارتها كاملة. فما هي الأسلحة المستعملة عند كلّ من القوّتين؟ لأنّنا لا نستطيع أن نرى الخير أو الشّرّ في الإنسان؛ إلا عبر التّصرّفات. كما أنّنا لا نستطيع أن نرى العقل عنده؛ إلا بالتّصرّفات والأفعال.
كلّنا يعرف عبر ثقافاتنا الدّينيّة أو الاجتماعية؛ أنّ حبّ الآخرين, والتّواصل معهم, وتحيّتهم, ومساعدتهم , وظواهر الكرم, والعدالة, والشّجاعة, والعفّة, والحنان, والتّسامح والإخلاص... كلّها من ظواهر الخير. كما وأنّ عكس ذلك من غيبة, ونميمة, وبخل, وخيانة, وخديعة, وسرقة, وقتل, وظلم, وتمييز وتفرقة... كلّها من ظواهر الشّرّ.
فلننظر إذاً, ماذا ساد في المجتمع القويّ مادّيّاً بوسائل الحرب والكهرباء والكومبيوتر... من قوى خير وشرّ.
إنّنا نجد حتى بدون أن نمعن النّظر؛ أنّ ما يحدث في المجتمعات من أعلى الهرم إلى قاعدته؛ هو كلّ مظاهر الشّرّ؛ من السّرقة بدل الصّدقة, والكذب بدل الصّدق, والخداع والخيانة بدل الإخلاص, والعزلة بدل التّواصل, والزّنى والتّبرّج بدل التّعفّف, والظّلم بدل العدل, والغيبة والنّميمة بدل حفظ الآخر في غيابه, والقساوة بدل الحنان, والبخل بدل الكرم...
وأوّل وسيلة لتعليم كلّ هذه الدّروس للنّاس هي التلفزيون. الذي بات المربّي الأوحد بلا منازع لكل الأجيال. وصارت ثقافة هوليوود هي السّائدة في كلّ بقاع الأرض. مخلّفين وراءنا كلّ ما حفظناه من ثقافات وحضارات, صينيّة وعربيّة وإسلاميّة ومسيحيّة... حيث أنّ كلّ هذه الدّيانات والثّقافات؛ لا توصي إلا بالمثل من قواعد التربيّة والأخلاق البشريّة. وقد أوصى الله سبحانه وتعالى بها عبر كلّ رسله وكتبه وموفديه.
والآن وبعد أن تطوّرنا جدّاً على المستوى المادّيّ, وتأخّرنا جدّاً جدّاً على المستوى الرّوحيّ, وانتصر في المجتمع الشّر على الخير, وبات الفساد ظاهراً من رأس المجتمع إلى أخمص قدميه. حيث أنّ السّرقات الكبرى نجدها عند المسئولين أكثر منها عند المواطنين. وإذا أردت أن تنال منصباً لا تستحقّه, فإنّك بـ"واسطة" من أحد الزّعماء تنال ما تريد. هذا إذا لم تستطع أن تناله بالرّشوة والخداع. وصارت كلّ الدّول, وليس لبنان فحسب؛
تمشي على مبدأ المحاصصة في السّلطة,. فلا يصل إلى المنصب المعيّن إلا من يلوذ بمسئول سياسيّ معيّن, أو بحزب سياسيّ قياديّ. وهكذا فإنّ أعمىً وكسيحاً -مع احترامنا لكل العمي والكسيحين في العالم- يصل إلى منصب رئيس دولة فيها 200 مليون نسمة (إندونيسيا). وكذلك يُطْلَبُ من ملك سابق عمره 85 سنة في أفغانستان أن يعود ليقود الدّولة بدكتاتوريّة مكلّفاً من قبل أكبر ديمقراطيّات العالم في القرن العشرين من ازدهار الفكر البشري.
والآن, وبعد أن عرفنا على الأرض انتصار قوى الشّرّ على قوى الخير؛ فكيف ننتظر أن يعمّ السّلام والرّخاء والمحبّة في العالم!؟ كيف لا نتوقّع حصول الخلل المادّيّ في الطّبيعة والكون؟!
أخيراً, وقبل أن ألقي عليكم التّحيّة والسّلام؛ أحذّركم بأنّه بهكذا إنسان معاصر كيف لا يكون على الدّنيا السّلام؟!
والســــــّلام.
واقرأ أيضاً:
نملة في المغسلة مشاركة / رمضان والكهرباء في لبنان