أرسلت الدكتور حنان طقش مشارِكةً في مدونة الجاهل الأخير تقول:
أحسنت حين استعرت عنوان مدونتك فهو ما جذبني لتصفحها ذلك لسعادتي بتحقق حلمي بالتخلص من الجهل فأنا أعتبره عدونا الأول ولكني أراه جهلا اختياريا خصوصا في عصرنا الذي يتميز بسهولة الوصول للمعلومات وكثرة العلماء.
أعتبره جهلا اختياريا لإيماني بقوله تعالى "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173)" من سورة الأعراف. ففيها إشارة واضحة لمعرفة كل بني آدم بحقيقة ربه وتكليفه بالسعي لأن يبحث حتى وإن كان والداه من المبطلين فهم لن يكونوا حجة لهم عند رب العالمين.
تبقى جزئية أنهم قد يتبعون عالما جاهلا وتفسير التناقض اللفظي أقصد إتباعهم لمدعي علم أو صاحب علم قليل فهم في هذا ينطبق عليهم "من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر" وهو أجر السعي والتوجه لله ومرضاته.
كل مولود يولد على الفطرة وهي ما يبقى ينازع كل المنحرفين بكافة أشكال الانحراف فمنهم من يعود إلى طريق الله منتصرا على وسواس شيطانه وهوى نفسه ومنهم من يمضي في غيه على غضاضة وهنا يبدأ زبائننا في الظهور -المرضى النفسين- فلا هم بالقادرين على الاستمتاع بانحرافهم ولا هم بالقادرين على العودة إلى سواء الصراط وهو ما يعترف به علم النفس الغربي من أن الصراع من أهم الأسباب النفسية للاضطرابات، فليس صحيحا بأن الشواذ يعانون لدينا لرفض مجتمعاتنا الدينية لسلوكهم فهم في الغرب المتسامح معهم ما زالوا يعانون وما ذلك إلا لأنهم يخالفون جذور المعرفة في نفوسهم التي فطرهم الله عليها.
نعم قد يخطئ بعض العلماء في الاجتهاد ولكن يبقى لنا السلام الداخلي وهو السعي والسير في الاتجاه الصحيح حتى وإن تشعبت بنا الطرق ولكن من رضي وسعد بهواه فهو ليس بضحية بل رضي بذلك ومع ذلك لن نتأبى على الله فنقول يغفر أو لن يغفر ولكني أجزم بأن الجهل اختياري وليس جهلا بل غيا في كثير من الأوقات.
نعم هناك هفوات وكبوات عسى الله أن يغفرها لنا جميعا، تفاعلت معك رغم أن سؤالك قد لا يكون موجها لفئتي فسامحيني.
14/6/2009
تعليق الأستاذة رفيف الصباغ
السلام عليكم؛
لكم سرني أن أتلقى مشاركة من أختي الغالية والمستشارة الفاضلة الدكتورة حنان والتي أتابع إجاباتها على الموقع باستمرار...
نحن بحاجة فعلاً لنقاش مشترك في هذا الموضوع لنعرف أين يكمن الخلل، وكيف نبدأ بعلاجه، وما هي الأحكام المترتبة على تطبيق هذا العلاج...
الحقيقة أن الجهلة أنواع، فلا ريب أن هناك الجاهل المغرور الذي يعلم من نفسه علم اليقين أنه مخالف للحق وأنه جاهل بما له وما عليه، ولكنه يأبى إلا أن يخالف فطرته ويتبع هواه سواء رُبي كذلك أم لا، وهذا غير معذور ولا شك، ومؤاخذ ولا ريب...
وهناك الجاهل المعذور، -الذي ذكرته- في المدونة، وهو حديث الإسلام، ومن نشأ بعيداً عن العلماء....
ولكن هناك نوعا آخر أراه منتشراً من حولي جداً، وهو الذي يشغل بالي –ولا أدري أفي نسبة وجوده اختلاف بين المجتمعات أم لا؟- وهو موجود في العائلات المحافظة التي بدأ الإسلام يتحول عندها إلى تقاليد موروثة يتبعونها دون معرفة حقيقتها، ترين قلوبهم مُحبة لله تعالى، لكنهم يعتقدون أن الدين هو: [أصلي وأصوم كما رأيت أمي وأبي ومن قبلها جدتي وجدي يفعلون، ولا أوذي أحداً، ولا أشرب الخمر ولا أذهب إلى الملاهي الليلية، وطبعاً الله عندي عظيم جداً، وقد ضمنت دخول الجنة من أبوابها الثمانية] أما ما هي أحكام الصلاة والصيام فعلاً، أو ما أحكام معاملاتي اليومية التي يفترض معرفتها فرض عين علي، وما هي أحكام النظر وحدود العورات، وما هي أحكام النكاح، أو البيع والشراء -لمن كان تاجراً مثلاً-.....الخ، فهذا أبعد ما يكونون عن معرفته...
ولما وصلتني رسالتك بالأمس، اتصلت بصديقة لي حائزة على ماجستير في الحديث الشريف، ولكنها كانت في بداية عمرها –وكما تسمي نفسها- من نوع [الجاهل المقهور]!! وتعني بذلك أنها قهرت قهراً وأجبرت جبراً على الجهل!!! وكانت من ذلك النوع الذي ذكرته لك، ثم مرت بظروف غيرت مجرى حياتها...
سألتها: ماذا كانت فكرتك عن تعلم الدين في بداية حياتك؟ قالت: كنت أرى أني والحمد لله أصلي وأصوم وأني أفضل من غيري بكثير، فلا أذهب إلى المسابح المختلطة، ولا ألبس المايوه...، وكنت أعتقد أني تعلمت كل ما علي من الدين فلماذا أتعب نفسي وأتعلم زيادة على ما أعلمه؟!
ثم سألتها: ألم تدعوك إحدى صديقاتك لحضور مجالس العلم؟ قالت: بلى، ولكن كما قلت لك، ما كان يهمني الذهاب لأني أعلم كل شيء –كما كنت أظن نفسي-!!!
وبالمختصر: مثل هذا النوع لو رأى وسمع الشيوخ يتكلمون بل ويصرخون لا يهمهم أن يسمعوا لأنهم قد فعلوا ما عليهم باعتقادهم وما عداه من التوسع في الدين الذي لا يفرض على كل الناس!!
ثم بعد أن تنكشف الحقائق لهم ويعلمون بجهلهم، ترينهم يعضون أصابعهم ندماً، ويبكون دماً على ما فات من عمرهم وهم في جهلهم غارقون بسبب الكلام المضلل من حولهم والتربية الخاطئة التي أقنعتهم أنهم غير مقصرين!!
هذا النوع يشغلني جداً،
أولاً: لكثرته،
وثانياً: لأنه هو الصيد الثمين الذي يقع في شباك الفساد المستشري،
وثالثاً: لأنه يجعلني أعيد النظر فيما يجب أن يبتدأ به مع هؤلاء...، فلا يكفي أن يظهر الداعي فلان على التلفاز ليتكلم على أحكام الصلاة، بل يجب أن يتكلم قبلها على أشياء كثيرة كنا نظنها بدهيات لا تقبل النقاش...
ورابعاً: وسأضرب لك مثال للتوضيح: ما رأيك بمن عاشت على هذه الحال، تصلي كل الأوقات، ولا تقصر فيما تعلمته أبداً، ثم بعد عشر سنين، علمت أنها كانت تصلي وثيابها نجسة، أو بغير وضوء، حيث لا تعلم حكم المفرزات التي تخرج من المرأة، ثم بعد سنين أخرى [وبعد أن ظنت أنها تعلمت] علمت أن عليها أن تغطي أسفل ذقنها (عظم الفك السفلي) في الصلاة، وأن حدود الوجه الذي يجوز إظهاره في الصلاة هي نفسها حدود الوجه الذي يغسل في الوضوء، (وحيث لا يجب غسل أسفل الذقن في الوضوء، فلا يجوز إظهاره في الصلاة)!!!
طبعاً هناك مذاهب يمكن أن تتبعها للضرورة تعفيها من إعادة صلاة المدة الماضية كلها وإن افترضنا أنها غير معذورة، ولكن ما رأيك بمن قام بأفعال لا مخرج فيها في أي من المذاهب؟!
ما رأيك بمن تجاوزت الستين، ومات زوجها، ثم اكتشفت أن الجماع في يوم رمضان مفطر يوجب الكفارة؟؟
وما رأيك بجارة لي ابتلعت الدواء دون ماء وهي صائمة لظنها أن الطعام وشرب الماء هو المفطر وابتلاع الدواء لا علاقة له بذلك؟؟ وقد مرت بظروف في أول حياتها لم تدع لها فرصة للتعلم ولا الاستفسار، وما ثَمّ إلا مسلمة ربيت في بيت مسلم وتزوجت مسلماً، وربت أبناءها على الإسلام!!! وهي في ظن نفسها مسلمة تحب الله والحمد له وحده!
هؤلاء إن كان لهم عذر، فهو مخفف لهم في مسألة القضاء أما إذا لم يكن لهم عذر فأطال الله عمرهم حتى يعيدوا ما فاتهم بعد أن ضعفت أجسامهم وعقولهم....
قلبي يتفطر ألماً على أمثال هؤلاء وخاصة عندما ترينهم يبكون على ما فاتهم... وهل لهم حكم الجاهل المعذور أم المغرور يا ترى؟؟
لا أريد أن أدخلك في متاهات الاجتهادات والقواعد الفقهية والأصولية، ولكن أحببت أن أقول لك: إن الأمر يحتاج إلى نظر وما هو بتلك البساطة المتصورة.
وأكرر وأعيد لمن يقرأ: (وضعوا تحتها مئة خط): أنا لا أعطي عذراً لهؤلاء ولا أدعي أنهم معذورون، كل ما في الأمر أني أتساءل عن ظاهرة، وعن مدى انتشارها، وكيف يمكن أن نتعامل معها؟؟
ثم أحببت أن أعلق على شيء ذكرته عن زبائنكم، بسؤال أسألك إياه: ما رأيك بمن أصيب بمرض نفسي، لا لصراع بين كفر وإيمان، ولا لضلال والتزام، وإنما لصراع بين ما يقر به العقل وبين ما يلقيه بعض من يدعي العلم من ترهات!!! أو بعبارة أخرى: بعض من تعلموا العلم وفي نفس الوقت تعلموا كيف يضعون عقولهم جانباً ويتصرفون بخلاف ما تعلموه!! فلا يعلم -تلاميذهم المساكين- أيتبعون ما تملي به عقولهم، أم ما يمليه عليهم كبار العلماء في بلدهم!! وما رأيك أن طبيباً نفسياً أخبرني –وهو يتألم- أنه في كل مدة وأخرى يأتيه عدد من هؤلاء!!!
وأخيراً: سؤالي وإن لم يكن موجهاً إلى فئتك -أساساً- (باعتباري عممته على جميع القراء ليتفكروا في حالهم وليس مقصوراً على الحالة التي ذكرتها لك) ولكني بحاجة ماسة لأمثالك كي ينظروا في هذا الواقع، ويدرسوا هذه الظاهرة ومدى انتشارها، لنعرف بعدها من أين يبدأ التغيير... علماً أن النتائج بيد الله، ونحن لا نهدي من أحببنا، ولكن علينا الاجتهاد وبذل الجهد...
شكراً لك أختي مرة أخرى، وأكرميني بمشاركاتك دائماً...
واقرأ أيضاً:
ليتكم تدرون.... / غزة