أرسلت ملكة الليل (26 سنة، سوريا، مدرسة، مسلمة) تقول:
كلنا غزة....!!!
كلنا غزة....!!! مشاركتان
من بعد بسم الله الرحمن الرحيم؛
أشكر الكاتبة القديرة على كتابتها الرائعة والهادفة، ولكن أسأل لماذا أصيبت الأمة بتبلد أحاسيسها ومشاعرها؟ وإذا كانت ثمة أحاسيس فهي فقط للحب الخادع!
لماذا لم تعد تتأثر بكل ما تشاهده وبكل ما تقرؤه؟
لماذا لم تعد تنفع الكلمات والعظات؟
وكأن الموت على غيرنا قد وجب!
ويصدق كلام المصطفى –صلى الله عليه وسلم-: ((ولكنكم غثاء كغثاء السيل، قالوا: أمن قلة يا رسول الله؟ قال: لا ولكن من حب الدنيا وكراهية الموت))
عندما تتعشق أرواحنا لملاقاة ربنا، وعندما تكون الدنيا في أيدينا وليست في قلوبنا، سو ف تقول الأمة: كلنا غزة...
22/7/2010
أهلًا بك يا ملكة الليل، وأنا بدوري أشكرك على مشاركتك الطيبة...
واسمحي لي –أولًا- أن أضع نص الحديث الذي سُقتِه في مشاركتك -كما في سنن أبي داود-، ليتدبر من يتدبر، ويتفكر من يتفكر:
عن ثوبان رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا. فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ. فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ)). فليحب الدنيا وليَعَضَّ عليها بنواجذه من شاء، وليكره الموت والخلود في الجنة من شاء!!
وأقول: الحمد لله أنه ما زال هناك من يسأل نفسه هذه الأسئلة، ومن يسأل لا بد أن يفتح الله عليه بمعرفة الإجابة في يوم من الأيام، ثم لا بد أن يفتح عليه بحسن التعامل مع الناس على ضوء هذه الإجابة، ما دام يحمل في قلبه همّهم وإرادة الخير لهم...
أسأل نفسي كثيرًا ما تسألينه، وأسألها الكثير سوى هذا، وأحتار وأحتار... ولعل الله تعالى يفتح علي الآن بشيء يكون فيه جزء من إجابة تلك الأسئلة...
أسألك الآن: هل يحزن الإنسان لموت جار زوج ابنة ابنة خاله التي في أمريكا؟؟ وهل يفرح لزفاف ابنة صاحب أول عمارة في الشارع الذي بعد الشارع الذي بعد شارعه؟ طبعًا مشاعره ستكون باردة جدًا تجاه هؤلاء، بل معدومة غالبًا!! ما السبب؟
الإجابة وببساطة: لأن المشاعر تأتي من وراء المعرفة.
أفرح للقاء من عرفته فأحببته، وأحزن لفراقه، وأُعَجب بمن لقيتُه فَخَبِرْتُه، وأخاف من عرفت بطشه وسطوته....
نصرخ كثيرًا بالطفل: إياك أن تقترب من المدفأة!! لكنه لا يخافها حقًا إلا بعد أن يقترب منها ويشعر بحرارتها! ذلك أنه عرفها، فتكونت لديه المشاعر المناسبة تجاهها...
ترى، ما هي حصيلة المعرفة لدى الناس بالله تعالى وصفاته؟ كم منهم يستطيع تعداد صفاته، وكم من هؤلاء يعي تلك الصفات ويدرك ماذا تعني في حياته؟
ما هو تصور الناس للجنة والنار؟ كم عدد الذين حاولوا أن يعيشوا في الخيال تجربة شعورية، في معنى البقاء إلى أبد الآبدين، بل معنى البقاء لحظة في قلب اللهب والنار –التي لا تعدلها نار في الدنيا- مع الهم والغم (وسلوا المكتئبين عن الغم)، والروائح المنتنة، والطعام الحارق النتن؟ من لم يعرف هذا ولم يتخيله، كيف يخاف عندما تخوفه بنار جهنم إن اقترف المعاصي، وباع دينه بعَرَض من الدنيا يسير؟
ما هي حصيلة المعرفة لدى الناس بأعدائهم من الجن والإنس؟ هل يعرفون من هم حقًا؟ وإن عرفوهم، هل يعرفون الطرق التي يكيدونهم بها؟ وهل عرفوا الطرق التي يتخلصون بها من كيدهم؟ هل عرفوا حجم خيبتهم إذ يجهلون كل هذا؟؟
ولعلك من هذا عرفت إجابة تتمة سؤالك: قد عرفوا الحب بصورته المطروحة المختزلة، شاهدوه في الشاشات، وعلى الشبكات، وفي البيوت والحدائق والشوارع، وعند أبواب المدارس، ثم في الجامعات... عرفوه جيدًا، وشعروا بالسعادة التي يمنحها للإنسان... وبغض النظر عن قيمة تلك السعادة وحقيقتها إلا أنهم عرفوها، وخَبِروها فترينهم يهتزّون طربًا، وتتحرك أحاسيسهم وتنتشي فور سماعهم لكلمة: (حب، أحبك، I Love you )!!!
وهذا يقودنا إلى السؤال الثاني: لماذا لم تعد تتأثر بكل ما تشاهده، وبكل ما تقرؤه؟!
أسأل: لماذا هناك من يتأثر فعلًا؟
لأنه يشاهد ويقرأ بوعي وابتغاء المعرفة!! أما من لا يتأثر، فإن شاهد وقرأ فإنه يفعل ذلك لتمضية الوقت، أو من باب العلم بالشيء أفضل من الجهل به (أي من باب الثقافة العامة)!! وكما قال تعالى: ((لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)) [الأعراف:179]، وعلى كلٍّ قلة الوعي قصة قديمة قدم التاريخ، ((أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)) [الفرقان:44]. فمنذ الأزل هناك من ينتفع بالعظات والكلمات، وهناك من لا ينتفع وهؤلاء هم الكثرة...
هذه ناحية، ونواح أخرى:
منها: هل سألنا أنفسنا عن نوعية المواعظ، ونوعية الواعظين في كثير من الأحيان؟؟
ومنها: كيف يحصل التأثر ونحن نعيش جوًا يقسي القلب أيما قسوة!!
ففيه اللهو والغفلة! جربي وعظي مجموعة أولاد يلعبون في الشارع وهم مشدودون كلية للكرة التي يتقاذفونها بين أرجلهم... لن يسمعوا صوتك من أصله فضلًا عن أن يسمعوا الأحرف والكلمات، فضلًا عن أن يتعظوا!! فكيف بمن أخذته الدنيا ببريقها –وما أشده هذه الأيام- وألهته، وتعشقها قلبه وانْشَدَّ إليها بكليته؟!
وكذلك المال والطعام الحرام: كان آباؤنا فيما مضى يتورعون أيما تورع عن الحرام، تجدين أحدهم لا يصلي، ولكنه عند تحصيل المال أحرص ما يكون على حل اللقمة التي يضعها في فيه... واليوم أصبح الذي يحاسب نفسه على هذا وليَ عصره وأوانه!!
حتى من يتورع يقع في فخاخ لا يفطن لها!!
من منا ينتبه إلى ما يغذي به نفسه وأطفاله من المأكولات الجاهزة؟ حتى في بلاد المسلمين أصبح الأمر بحاجة إلى تفتيش ونظر...
جاءتني صديقتي عشاءً، وأحضرت معها زجاجة عصير لنشربها سوية ونحن نتعشى....
ومؤخرًا –بعد عدد من الأمور والحوادث- أصبح لدي فضول في قراءة ما يكتب على الأغذية المصنعة في بلاد العرب وليس فقط الأغذية الأجنبية...
حملت الزجاجة فقرأت: (ملون طبيعي E120 )... فأخذتها من فوري وأفرغتها في المغسلة!!
أتعرفين ما هو الملون الطبيعي 100% E120؟ مسحوق خنافس يا رعاك الله، يعطي لونًا أحمر، ويستخدم في صباغة اللحم المعلب، وفي العصائر وسكاكر الأطفال ونحوها، وهو ملون ضار مسرطن، تم منعه في كثير من الدول لضرره، أضيفي إلى ذلك حرمة تناوله عند المسلمين!! ومن يستخدمه؟ شركة عصائر خليجية!! ونشرب ذلك بالهناء والشفاء، وما ثمة إلا ملون طبيعي!! وضعي اسمه على أحد محركات البحث في الشبكة واقرئي بنفسك!!
على كل أنا أتقدم بأسمى آيات الشكر لتلك الشركة التي اعترفت باسم الملون الذي وضعته، وإلا فالكثيرون يكتفون بقولهم: (ملونات طبيعية)!!
هذا غيض من فيض!! وكيف تريدين ألا تتبلد المشاعر في ظل التغذية الحرام التي تسري في الجسد؟!
وافرضي أن الضرر جسدي وحسب، ما حال العقل والقلب المتعب الضعيف؟ هل يستطيع أن يتفاعل معك تفاعل العقل السليم اليقظ؟
كذلك النظر إلى الحرام: تسكن الصور القلب، فلا تترك قيد أنملة لسواها من المعاني والكلام، والمواعظ!! يصرخ الواعظ ويصرخ، وأخونا في الله يسبح في بحر من الصور الفاسدة في مخيلته...
لا بد لنتغير من التضحيات، ومن كثير المعاناة من أجل حلّ جذري نقاطع فيه الفساد –بكل صوره- قدر استطاعتنا، وما عم وطمّ فالشكوى فيه لله، ونسأل الله تعالى العفو والمغفرة، وحسبنا أنَّا فعلنا ما بوسعنا!!
أما إذا أردنا أن نبقى مرتاحين، تحت نسمات المكيفات، ومع أزرار أجهزة التحكم عن بعد، نحرك البيت كله ونحن مستلقون على السرير!! فللأسف لا يوجد جهاز تحكم عن بعد يحرك الأمة!! لا بد من النهوض من السرير، وتكلف عناء المشي والحركة والعمل....
ومن لا يريد أن يتحرك فأنا –دائمًا- أرجوه أن يسكت ويريحنا من سماع ندبه وشكواه على حال الأمة، وعلى معاناته بسبب قسوة الفراش الذي يستلقي عليه!!
إذن: لا بد من المعرفة، والتعريف أولا، ولا بد من اتخاذ السبل الحكيمة لذلك، ولا بدّ من الابتعاد عن المؤثرات الضارة قدر الإمكان، وإلا فلا تسألي عن شيء بعد هذا....
والسلام.
واقرأ أيضاً:
مجزرة في غزة و العرب بلا عزة؟؟/ يوميات مفرووووسة جدا... غزة!/ الفضائيــات العربيــة ونقل أحداث غزة/ حروب غزة التي بدأت/ مع غزة ومن غزة/ الطريق إلى غزة / حكايات من غزة/ تاراباتاتووه ومدخلتش غزة 11