تابعت ما حدث من تحرشات جنسية وسعار جنسي أصاب المنحطين والسفلة من الشباب في وسط البلد من خلال المدونات التي كتبت عنها.
صحيح أنني لم أر ما حدث بنفسي، لكن أنا شاهدت ما يشبهه سابقاً، وشاهد أصدقائي أيضا ما يشبهه سابقاً.. فهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا.
تعودت بعد مباريات الأهلي والزمالك والمنتخب، أن يخرج بعض الشباب التافه إلى الشارع، لتعطيل حركة المرور، فلو وجدوا سيارة حمراء وقفوا ورقصوا حولها، ولو كانت بيضاء، أشبعوا السيارة ضربا وركلاً..
وحكى أحد الزملاء أنه في إحدى المرات امتد الأمر من تعطيل المرور وإزعاج المواطنين، إلى الاعتداء على حرمات الناس، حيث كانت فتاة تركب إحدى السيارات فحاولت صرف الحيوانات فاعتدوا عليها باللمس والجذب ولولا تدخل هذا الزميل وقاد السيارة بنفسه، لحدث ما هو أكثر من ذلك، ومثل ذلك حكى صديق لي عما شاهده بنفسه في جامعة الدول بعد إحدى المباريات أيضاً.
أما المعاكسات بشكل فجّ وبأقذع الألفاظ النابية والإيحاءات الجنسية لا ينقطع ثانية واحدة عن شوارع مصر.. إذن الأمر ليس جديداً، وإن كان ما حدث هذا العيد كان أشد فجاجة وفسقاً ووضوحاً.. لكن أحاول هنا أن أصوغ بعض النقاط تعليقا وتفسيراً..
أولا: إن الأمر لا يمكن تفسيره إلا من جانبين، الشق الأول انهيار منظومة الأخلاق والدين في المجتمع، والشق الثاني غياب دور الأمن في حفظ النظام وانشغاله بقمع المعارضين السياسيين والتظاهرات.
أ- الانحطاط الأخلاقي متبدي للعيان، وحتى بافتراض قيام قوات الأمن بواجبها جيداً فإن هذا لا يكفل الأمن في أي مجتمع في غياب وازع الدين والأخلاق. (انظر معدلات الجريمة مثلا في المجتمعات الغربية، وجريمة اغتصاب كل دقيقة عندهم).
ب- غياب دور الأمن، فمثلا في الجامعة يندر أن يتدخل الأمن في أي مشاجرة تحدث، لكن تجد جحافل الأمن المركزي تطوق أي مظاهرة.
ولا يمكن تفسير الأمر بالانحطاط الأخلاقي فقط، لأنه مهما انحطت أخلاق الإنسان فإن ثقافة العقاب والخوف من العقاب تردعه ولو جزئيا، فحتى مع تحول الشباب إلى بالونات جنسية مستثارة، فهناك وسائل أخرى أقل إجراماً يمكنهم بها إخراج إثارتهم، لكن انتهاك حرمات الناس، بل والتعدي على أكثر ما تعتبره الشعوب الشرقية مقدساً لا يجوز المساس به أو التعرض له، فإن هذا بالتأكيد يعني أن ثقافة العقاب لم تعد حاضرة في الأذهان.
الأخلاق وقاية، والأمن علاج، كلاهما مطلوب، لكن تعلمنا أن الوقاية خير من العلاج.
ثانيا: تشجيع ثقافة البلطجة من قبل الدولة:
وهذا أحد الأسباب التي أدت لتفاقم الاعتداءات بأشكالها المختلفة في السنوات الأخيرة، فالدولة تشجع البلطجة وتستعين بالبلطجية في قمع التظاهرات المعارضة، وهو ما خلق قاعدة من البلطجية وأصحاب السوابق مطلقي السراح يعيثون في الأرض فساداً وإجراماً. والدولة بعدم تنفيذها أحكام القضاء تعطي قدوة منحطة لكل الشعب، أن "اللي عايز حاجة ياخدها بدراعه" ..
ثالثا: انهيار المنظومة القانونية في الدولة:
يكفي أن تعرف مثلاً أن القانون السابق كان يقول أن من يغتصب سيدة ثم يتزوجها فإن العقوبة تسقط من عليه! وبالتالي كانت كثير من السيدات تلجأ للزواج ممن اغتصبها خوفاً من الفضيحة. وكذلك قوانين أخرى عديدة تنم عن عقول مريضة، وأذهان معتلة، خلقت القوانين مخالفة لشرع الله، بل وللعقل والمنطق الإنساني والفطرة السوية.
رابعا: بخصوص اتساع حالات الاعتداء لتشمل "المحجبات"، في رأيي هذه حالات شاذة لم أسمع بها سوى هذه المرة فقط، هذا إن ثبت حدوثها، وأسبابها في رأيي:
أ- حجاب نص كم: معظم هؤلاء البنات كما يطلق عليهن (حجاب نص كم)، وفي مدونة بنت السعد تحدثت بواقعية كيف يمكن لغير محجبة أن ترتدي زيا محتشما – وإن كان لا يغني عن الحجاب – وكيف يمكن لإنسانة محجبة أن تبرز كل مفاتنها، فما قيمة "ربطة الشعر" مع بنطلون محزق و"بودي" ضيق يكشف أكثر مما يخفي. بل حتى العباءة –خاصة الخليجيات– لا يمكنها أن "تُخفي" شيئاً إذا كانت المرأة تريد أن "تُبرز"، وأنا شاهدت العديد من اللاتي يرتدون عبايات تبرز حجم أعضائها وجسدها، بل وربما ترتدي نقاب يبرز كمية المكياج التي تضعه في عيونها والذهب حول رقبتها.فلو سمحت، لا يقول لي أحد أن الاعتداءات شملت "المحجبات" لو كانت على هذه الشاكلة، لأن هذا ليس حجاب ولا نصف حجاب حتى!!
"الاستجابة الإجرامية"
ب- الدافع الإجرامي: ما حدث ليس شهوة جنسية زائدة فقط، في يقيني أن من قاموا بهذه الاعتداءات ليسوا مجرد شباب مستثار، أو عاطل لا يجد ما يفعله، أو غير قادر على الزواج، بدليل أن من كتب هذه الحوادث من المدونين أيضاً كلهم شباب مستثار وعاطل وطلاب غير متزوجون، وهم بأنفسهم كانوا يدافعون عن الفتيات، ومالك حكى كيف أنهم وقفوا على ناصية الشارع ليصرفوا الفتيات عن دخوله.
فموضوع الاستثارة الجنسية، وعدم القدرة على الزواج مبكراً بسبب التقاليد الاجتماعية المغالية، كل هذا لا يمكن بمفرده أن يكفي كدافع للاعتداء على شيء من أقدس مقدسات الشعوب الشرقية.. هذا كلام باطل.ولا يقنع طفلاً.
إن هؤلاء الشباب ليسوا مجرد شباب مستثارين –في غالبيتهم– إنما لو فتشت ورائهم لوجدتهم منحطين أخلاقياً، لا يتورع الواحد منهم عن قتل أمه لأخذ أموالها، فإن لم يكونوا من أصحاب السوابق فهم موشكون على فعلها، بل لا يتورعون عن تأجير الفتيات للزنا لو كان معهم الأموال الكافية، أضف إلى ذلك غياب الأمن، أضف إلى ذلك غياب ثقافة العقاب، وحتى إن وجد العقاب، فإنه ضعيف وأهبل بسبب البنية التشريعية المتآكلة، فما أتفه أن آخذ مثلا كام شهر في السجن في مقابل أن أغتصب فتاة في لحظة!
كل هذه عوامل لا يجب أن تغيب عن أذهاننا، إذ أن هناك جداراً فاصلاً يعرفه علماء النفس بين "الإجرام" وبين "الإنسان السوي" .. كل الشباب يتعرض للاستثارة ليل نهار في التلفاز والشارع، لكن ليس كل الشباب تكون "استجابتهم" واحدة.. العامل واحد، والاستجابة مختلفة .. لماذا؟! لأن ما يحدد هذه الاستجابة هو "دوافع الإجرام" لدى الشاب، وليس مقدرته على ضبط شهوته! فحتى لو لم يقدر على ضبط شهوته لن يصل الأمر لانتهاك حرمة من المحرمات المقدسة.. لو كان إنساناً سوياً غير مجرم، لكن لو كان مجرماً في الأصل فإن استجابته لن تقف عن حدود الشرف ودائرة المقدسات.
تماما مثل "ذئب الثروة"، الكثير من الشباب فقير وطموحاته كبيرة، لكن ليس كل الفقراء يستجيبون لهذا "العامل" بإقدامهم على السرقة، وإن أقدموا على السرقة فبدرجات مختلفة، منهم من يسرق من أبيه أو أخيه، ومنهم من يقتل ليسرق.
فداحة الثمن
لقد تعجبت للغاية إزاء انتهاز البعض -الأقلية – للحادث للنيل والسخرية من قيم الحجاب وغض البصر والدين، والوازع الأخلاقي في كبح جماح النفس، لا أريد أن أخوض في الجدال في تلك البديهيات التي باتت الغالبية الساحقة من الشعوب الشرقية المؤمنة تسلم بها، ومجرد مقارنة إحصاءات الجرائم والاغتصاب بين "الشرق المنغلق" و "الغرب المنفتح" تكفي وحدها لكي تبين مدى فداحة تكلفة غياب الوازع الديني والأخلاقي.. هذا مع تأكيدي مرة أخرى أن الأخلاق والدين لا تكفي وحدها، فهناك عوامل أخرى.
إن أهم ما يجب أن نخرج به من تلك الحوادث، أن الدولة في انهيار، والمجتمع أيضاً، في غياب منظومة الدين والأخلاق، وانهيار دور الأمن في حفظ الأمن، ويجب أن نستيقظ قبل فوات الأوان لتصحيح المسار.
لكن يحضرني فقط قصة حكاها العلامة الفيلسوف د. عبد الوهاب المسيري حينما كان في بداية حياته ماركسياً مؤمنا، وسافر لأمريكا وذهنه مليء بـ "كلام الحشو" عن أن "الرجل الشرقي مكبوت جنسياً، ولذلك يشغل الجنس كل تفكيره".. فيقول العلامة: "وجدت العكس تماماً، فالجنس لدى الغرب يشغل كل حياتهم، والإعلانات التلفزيونية، وفي الشوارع، فهم لا يفكرون إلا في الجنس، والجنس لديهم مادة مثل الأكل، مرتبط بالسعار الاستهلاكي الذي لا ينطفئ" وكانت هذه المفارقة واحدة من عدة مفارقات في طريق تحول العلامة عبد الوهاب المسيري من ماركسي إلى إسلامي.
مأخوذٌ عن : http://tark3atkeyboard.blogspot.com/2006/10/blog-ost_116206418876881418.html
اقرأ أيضاً:
في المدارس والبيوت والمواصلات: أزمة مكان / أزمة مكان مشاركة / أزمة مكان مشاركة2