كانت مدونة ابننا عمرو مجدي عن السعار الجنسي في وسط البلد Down Town –يعني وسط القاهرة-، وغير تلك المدونة الرائعة مما سمعت وقرأت وتحادثت مع ابن عبد الله حوله، كل هذه الأشياء كانت تحرك الرغبة في الكتابة داخلي، رغم أنني –مع الأسف- غير مستغرب ما حدث وإن أحزنني وأوجعني أنه حدث!
هل هذه مقدماتٌ لما يشبه بشكلٍ أو بآخر ما حدث في أوربا وأمريكا بداية من سنة 1964 إلى 1973، مع ظهور ما أطلق على تسميته "الثورة الجنسية"، حيث أعلن في أول الأمر أن البشرية مكبلة بالتقاليد البالية الجامدة والأخلاق الكاذبة التي تستخدمها الرأسمالية والبورجوازية للتحكم في المستضعفين، وحيث بشر "مساكين" العالم وضعفاؤه بيوم الحرية المنشود، وقيل لهم لا يمكن أن تتذوقوا للحرية طعما إلا بتكسير كل "الطابوهات" التي تحرمكم من الاستجابة لغريزتكم الطبيعية، فتحرروا أيها المستضعفون وأطلقوا العنان لشهوتكم لتنطلق كيف تشاء وأنى تشاء، فأنتم أحرار في أجسادكم، افعلوا بها ما تشاؤون! وقد كان من شعارات تلك الثورة "الاستمتاع بغير عقبات" و"يمنع الممنوع"، و"كلما مارست الحب ازددت رغبة في الثورة".
وكنت في بدايات شبابي قد قرأت عن موضوع الثورة الجنسية في الغرب للأستاذ أنيس منصور –على ما أذكر- حيث كان الآباء والأمهاتُ يدعون إلى مجالس أولياء الأمور مثلا في إحدى المدارس ليفاجئوا باحتفالية يقوم فيها أبناؤهم وبناتهم بممارسة علنية للجنس، وكانت تلك الثورة واحدة من أفدح نماذج تحطيم "الطابوهات" كما يسمونها في الثقافة الغربية (والانتهاك العلني الجماعي للحرمات كما نسميها)، وإن كان الغرب الآن يشهد ثورة مضادة تسمى الثورة الجنسية المضادة أو حركة العفة
ربما كان لذلك ما يبرره أو ما يؤدي إليه في الثقافة الغربية كنتيجة لتحجر الكنسية وتعمق القيم المادية في حياة الناس وتفاعل ذلك مع قيم التحرر والعلمانية ومبدأ اللذة وغير ذلك مما حكم حياة الناس في الغرب وشكَّلها، فهل لدينا نحن الآن كمجتمعات ما يبرره أو ما يؤدي إليه؟ وهل تقف المشكلة عند حدود ما أشار إليه أحمد عبد الله في سلسلة كيف نعيش جنسيا أو ما رآه نزار قباني –الله يرحمه- حين قال: يرانا العالم شاةً وبعيرا ...... ونرى العالم جنسا وسريرا، يبدو أن الأمر أعمق الآن.
وأحسب أن ما أشرنا إليه مرارا تكرارا من مشكلات مجتمعاتنا المزمنة في التعامل مع الجنس كموضوع خاصة فيما يتعلق بالشباب والمراهقين عندما أشرنا إلى ما يحدث في المواصلات العامة وكانت سلسلة طويلة لملف فتحناه على مجانين عن التزنيق الجنسي في المواصلات، وكذلك ما أشرنا إليه في يوميات مجانين: ماذا جرى يا ترى يا ترى! وغير ذلك من الردود على الاستشارات والمدونات، ولكن أحسب أننا كنا نقرع آذانا صماء، وها نحن الآن نُواجهُ بما هو أفظع من كل التوقعات الطيبة، ولابد على ما يبدو من تحجيم التوقعات الطيبة.
والمهم هو كيف نستطيع احتواء الأمور كمجتمعات... كيف؟؟ ونحن -والله أعلم بنا- مجتمعات صارت مهلهلة لا يكاد يلم فيها صالح على صالح! كيف وثلاثة أرباع الأجيال الجديدة من الأولاد والبنات غالبا خواء في خواء لأن أحدا لم يقدم لهم شيئا، إلى حد أنهم لا يعرفون تاريخا ولا دينا ولا لغة ولا شيء غير التذمر من والاحتقار لمعظم معطيات ثقافتنا!
إذن فما حدث في وسط القاهرة حقيقة لم يكن فقط تعبيرا عن الكبت الجنسي لمجموعة من الشباب عاثر الحظ ولا عن رؤية تختزل كل شيء في الجنس، فهناك قبل كل شيء خواءٌ يمثل محتوى كل المؤسسات التي يفترض أنها تقوم بدور في إعداد الأطفال ثم المراهقين فالشباب، وهناك إلى جانبه نزوع إلى الشك -فضلا عن الفهم- في قيمة القيم نفسها، والحقيقة أننا مثلما نسمي جيل الثورة وجيل النكسة وجيل أكتوبر فإننا إذا أردنا أن نسمي مجموعة الأجيال التي تلت عصر الانفتاح (وسماهم شاعر الجماعة الأدبية مرةً جيل الدولسي ومرة جيل المحلول) لا نجد اسما يصف هذا الجيل -أو الأجيال- غير الخواء لوصف غياب المحتوى أو أجيال "العك" إذا كان هناك محتوى! فماذا يتوقع من هؤلاء؟
كان من المتوقع مع الأسف أن يحدث انفلات قيمي سلوكي فاضح في وسط مدينة القاهرة ذات المآذن الألف... وأن تتخاذل الجهات الأمنية ولا يحاول التدخل بحق إلا من استطاع من الشباب الصالحين، وهم كثُرٌ والله وموجودون...... –ويبدو أنني بدأت أفيق من اكتئابي المعرفي بشأن مستقبل المنطقة- فهناك شبان وشابات تتعلق فيهم القيم ما تزال، يعني السعار الجنسي الحمد لله ليس ظاهرة عامة بعد... ونتمنى ألا يصير!
اقرأ أيضاً:
شيزلونج مجانين: ما الذي يجري لأمريكا؟ / صحيح فعلا كبريت ليه؟؟؟