يتشارك السنة والشيعة والإباضية في 85% من المسائل الفقهية، أما الأصول العقدية فهي واحدة عند كل منهما. ليس هذا كلاما ملقًى على عواهنه، بل هو نتاج بحث رصين يحدثنا عنه مفتي مصر فضيلة الشيخ علي جمعة، في برنامجه القيم (يسألونك) في قناة الرسالة، يخاطب الشيخ الناس بلغة متمكنة سلسة، لا تستعصي على غير المتخصص، وتشبع المتخصص، ويرى أن تصحيح المفاهيم الدينية المشوهة إنما يكون بالتوجه بالخطاب للرأي العام، وكانت حلقة الجمعة (9/3/1427هـ) مظهرا من مظاهر هذا التواصل الثري.
الأصول العقدية واحدة، عبارة قد تشكل على البعض، لكن هذا ما يؤكده الشيخ علي جمعة كما يؤكد ذلك كثير من العلماء المحققين، فنحن جميعا سنة وشيعة نتجه لقبلة واحدة، ونبينا واحد، وكتابنا واحد، وقطعيات الدين لدينا واحدة.
نحن أمة واحدة بأصولها، ومن هذه الأصول أصل الوحدة فكيف تفرقنا الفروع الظنية، وقد قال تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا). يتحدث الشيخ علي جمعة عن خمس مآخذ يأخذها السنة على الشيعة، وقال: إننا نتحدث عن السنة هنا لأنهم الأكثرية، والشيعة في كتبهم يقولون: قال العامة، أو قال الجمهور، ويعنون بهم السنة، والمآخذ الخمسة كما يثبت لنا الشيخ قد ردها الشيعة، ورفعوا الإشكال الذي نشأ عنها، وذكر أن من أوائل المعاصرين من أهل السنة الذين تحدثوا عن هذه المآخذ موسى الجار الله، الذي ألف كتابا بعنوان: الوشيعة في الرد على دين الشيعة، يقول الشيخ علي جمعة أن أحد كبار علماء الشيعة وهو السيد شرف الدين الموسوي رد على الإشكالات التي أثارها بكتاب سماه: الرد على أسئلة جار الله، ومنها القول بتحريف المصحف عند الشيعة، وهذا لا يصح عنهم، بل ما ورد من روايات عندهم هي بمثابة القراءات الشاذة عند أهل السنة، وهي روايات لم تبلغ درجة التواتر، فمصحفنا ومصحفهم واحد.
ومنها القول بالبداءة، أي أن الله – تعالى عن ذلك يغير رأيه ومؤداه أنه لا يعلم الغيب– قال الشيخ الموسوي كما ينقل عنه الشيخ علي جمعة: أنهم ينزهون الله عن مثل ذلك، وإنما البداءة عندهم معناها القضاء المعلق، كما هو عند أهل السنة من التفرقة بين القضاء المبرم الذي لا يرد وهو علم الله تعالى والقضاء المعلق، يدل على ذلك حديث: لا يرد القضاء إلا الدعاء، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فما هو في اللوح المحفوظ هو القضاء المعلق، إذ اللوح المحفوظ مخلوق، وما فيه من قضاء يرده الدعاء كما جاء في قوله تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت).
هذه مسألتان من المسائل التي يأخذها السنة على الشيعة، وبقيت ثلاث مسائل، منها، مسألة التقية، نقل الشيخ علي جمعة عن عالمهم الموسوي، أنه قال أنهم إنما لجأوا إلى التقية لأنهم قلة مستضعفين، خصومهم الأمويين فالعباسيين كانوا ذوي شوكة، كما إذا قصدك ظالم، يقول لك: ما رأيك في الحاكم الفلاني، ولو قلت ما تعتقده من فساده آذاك، فتقول له: الحاكم الفلاني كما تعتقد أنت هو كذا وكذا. يقول الشيخ علي جمعة: وهذا ما يسمى عند أهل السنة بحكاية مذهب الخصم، وهو من أنواع الفرار بالدين والدنيا، وهو جائز عند أهل السنة خاصة عند شدة الأذى.
ومنها مسألة عصمة الأئمة، قال الشيخ الموسوي أن العصمة عندهم معناها الحفظ، فأئمة آل البيت هم أئمة هداة، عرف فضلهم وصلاحهم، فهم محفوظون بحفظ الله لهم لأنهم موفقون إلى الخير والاستقامة. كما يقول ذلك أهل السنة عن الصلحاء من أمثال الشافعي والنووي وعبد القادر الجيلاني.
وأخيرا ما نقل عن الشيعة من تكفير الصحابة أو سبهم، فأئمة الشيعة الأوائل لم يفعلوا ذلك، وكذا المعاصرون من علماء الشيعة لا سيما بعد نشوء حركة التقريب بين المذاهب التي ابتدأها الشيخ الصدوق القمي من علماء الشيعة مع علماء أزهريين كبار من أمثال الشيخ محمود شلتوت، والشيخ عبد الله المشد، وغيرهم، ويذكر الشيخ علي جمعة أن الطبعة الأخيرة لكتاب( بحار الأنوار) الذي يعد مرجع الشيعة في الحديث، أسقطت خمسة مجلدات من المجلد 29 إلى المجلد 33، قال: فلما سألنا عن ذلك، قالوا: إن في هذه المجلدات سبًّا للصحابة ونحن لا نرتضي أن نجدد ما يكون سببا لفرقة الأمة.
ثم يذكر الشيخ أن مؤتمر مكة الأخير التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي قد أكد على أن المذاهب الثمانية، وهي الأربعة المشهورة مع مذهب الظاهرية والشيعة الإمامية والزيدية والإباضية متعبد بها.
ووجه في ختام الحلقة كلاما إلى عامة الشيعة، قال: نحن لا نكفركم ولا نفسقكم، نحن نحبكم ونحب آل البيت، وحب آل البيت من الإيمان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي ما نصه: "إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي".
ولئن كان عدم تكفير الشيعة معلوما عند عامة طلبة العلم، ممن يعلمون أن التكفير لا يكون إلا بقطعي، فإن الجديد الذي نبه عليه الشيخ علي جمعة هو عدم وصمهم بالفسق، وهذه مراجعة مهمة ينبغي التأكيد عليها، لنجتمع أمة واحدة كما أمر الله.
حرر في يوم الاثنين:
12/3/1427هـ
واقرأ أيضاً:
الحزن الحر / غربة وألفة