أتذكر مرتين على الأقل أنني قرأت عبارةً في كتيب الشرح المصاحب لأول كاميرا فيديو اشتريتها، وربما قبل ذلك في كتيب شرح كاميرا عادية متطورة قبلها، تقول العبارة ما معناه: المصنعون أو المنتجون لهذه الأداة غير مسئولين عن قيامك بتصوير ما قد يكون تصويره غير أخلاقي،.... وباختصار: لسنا مسئولين عما تصوره أنت......... أيامها ربما لم أفهم أكثر من أنهم يعنون بتصوير المشاهد غير الأخلاقية: صور وأفلام الجنس.......... ولا أدري الآن هل كانوا يقصدون فقط ذلك؟؟؟؟
كثرت مقطوعات الفيديو التي تنتشر عبر الإنترنت... فيتم تداولها من بريدٍ إليكتروني لآخر ومن موقع إليكتروني لآخر ثم يحملها البعض وتنتقل من حاسوبٍ لآخر ومن حاسوبٍ لمحمول ومن محمول لمحمول وفي النهاية أصبحت تصل إلى ما أسميه "الوعي الإلكتروني" المترامي الأبعاد.
وبعيدا عن تأثيرات ذلك على عمليات التفكير في الإنسان وعلى أي شكل ستكون نتائج تلك التأثيرات، أجدني مشدودا لتأمل ما سببته القدرة على التصوير نفسها في نفس مالك الأداة تلك التي تسجل الواقع ثم تعيد وقائعه صوتا وصورة........ وناهيك عن كم السعادة –أو الحزن والأسى- الذي يمكن أن ينتج عن تسجيل الواقع واسترجاعه عددا غير محدود من المرات وإيصاله لوعي آخرين غير من صَوَّرَ ومن صُوِّرَ؟ يا ترى سببت هذه القدرة الجديدة شيئا جديدا في النفس البشرية؟
بدأ التصوير بريئا ومحبذا ومحمودا فكان الناس يصورن الأفراح غالبا والأتراح نادرا، باستثناء الأحداث الكبيرة ذات البعد الاجتماعي أو الإنساني أو الدولي التي كانت تتولاها مؤسسات إعلامية بمختلف مستوياتها.... أيامها كانت القدرات الشخصية الفردية على التصوير محدودة ولم تكن الكاميرا في متناول الجميع وقتذاك، وفي بدايتها بدت عملية استخدام قدرة التصوير ومحاولات تطويرها عملية بريئة وهادفة ومفيدة.... فهل هي ما تزال كذلك؟ ما الذي حدث عندما أعطيت القدرة لكل إنسان يستطيع شراء الكاميرا أو مجرد استخدامها؟ وهي الآن محمولة في المحمول؟؟؟
وكانت قفزة أخرى عندما فتحت قنوات التليفزيون العالمية ثم الفضائيات –معظمها- أبوابها لتلقي وعرض المقطوعات التي يصورها الأشخاص؟ في البداية أيضًا بدا الأمر بريئا... فالناس يصورون لحظات فريدة أو غريبة أو مضحكة أو... أو... إلى آخر الأوأوه! ولكن مع احترام لما لم يعد موجودا في النظام العالمي الجديد وهو نسميه الآن الذوق العالمي العام.... وغير منكرٍ لدى القارئ أن النظام العالمي الجديد يكاد يكون عديم الذوق خاصة عندما يتعلق الأمر بالآخر المعتبر مشروع إرهابي أو إرهابي، نعود للسؤال: ما الذي حدث عندما تجاوزت قدرات التصوير المتاحة للأشخاص وقدرتهم على بثها كل الحدود؟؟ ألم تتكاثر الإشكالات الناتجة عن ذلك على كل المستويات الشخصي والأسري والعائلي والاجتماعي والإنساني والديني والسياسي؟؟
والحقيقة أن الإشكالات الناتجة لم تعد قاصرة على بشاعة ما تم تصويره أو فظاعته، وإنما ترتب كثير من الإشكالات كعاقبة لبث المقطوعات المصورة عبر وسائل الاتصال كلها حتى تصل إلى المحمول في كل يد... ذلك المحمول الذي أصبح يصور ويعرض ويبث لما حوله و-عبر المحيطات حتى- لمن يستطيع أو يعرف كيف يستطيع، ما الذي دعا بعضهم لتصوير لقطات إعدام صدام حسين؟ وقبلها لماذا صورت أحداث التعذيب في أبو غريب وغيره؟ ولماذا صورت الفنانة الفلانية وهي تمارس الجنس مع الباشا الفلاني؟ ولماذا حدث كما سمعت أيام الاجتياح العراقي للكويت أن نتجت فضائح كثيرة عن عبث الجند العراقيين بأفلام فيديو تصور الجنس بين أزواج وزوجات؟ فما هي الرغبة التي يمكن أن تدفع زوجين إلى تصوير نفسيهما وهما يمارسان الجنس؟
هل يا ترى تؤدي مشاهدة المقاطع أو الأفلام المصورة إلى تراكم رغبة الشخص في أن يصور نفسه و/أو آخر؟ هل أصبح بمقدورنا الحديث عن "شهوةٍ التصوير" كشهوة تضاف إلى شهوات النفس؟ وبالضبط مثلما يختلف الناس وتتباين شهواتهم في الأكل مثلا أو الشرب فيختارون أصنافا وألوانا متباينة تتباين شهوات الناس أيضًا في ماذا يصورون؟ وواضح أن هذه الشهوة غير غريزية، وأنها تتأثر بأخلاق الشخص ومواقفه من نفسه ومن الآخرين ومن العالم! فالتحيز غير الأخلاقي صارخ الوضوح في ما تم تصويره مثلا في سجن أبو غريب أو جوانتي ناموا أو في مدينة البصرة الأسيرة، وتم بثه وعرضه على العالم وما تم تصويره أثناء إعدام صدام حسين وغير ذلك كثير من الأمثلة التي يظهر فيها التحيز ضد الآخر المصنف مختلفا في الحرب على الإرهاب!
ونعود لشهوة التصوير فنتساءل إلى أي مدى يمكنُ أن يؤخذ الإنسان برغبة أن يصور نفسه و/أو غيره في موقف ما؟........ تبدو الإجابة مركبة إلى حد كبير ومعقدة الحسم جدا حين نتكلم عن كاميرا محمولة في الهاتف المحمول؟ بحيث تتوفر السهولة والإتاحة مع الرغبة المتأججة في رؤية الإنسان لنفسه و/أو غيره والرغبة في القدرة على استرجاع اللحظات المحببة للنفس على المستوى الشخصي وربما على المستويات الأعلى؟ أو مع الرغبة في تسجيل أو توثيق حدث ما مع تباين المحتوى ماذا يحدث حين تجتمع الإتاحة Availability والسهولة Easiness والرغبة العميقة المركبة ؟ هذا السؤال مفتوح لكل المجانين، وفي انتظار مشاركاتكم.
18/1/2007
اقرأ أيضاً:
مجانين تنعي صدام حسين مشاركات2 / بين الهلال والأجندة كل عام وأنتم بخير