أي الأيام يا ترى يكون رأس السنة الهجرية 1428؟ هل هو اليوم السبت 20 يناير 2007 مثلما تقول الأجندة على مكتبي؟ أم هو غدا الأحد 21 يناير 2007 ؟؟ مثلما تجيء بحسبة بسيطة لأن وقفة عرفات تقدمت يوما عن تاريخها في الأجندة؟ لست أدري هل نحتفل نحن يوم السبت وتحتفل السعودية غد؟؟؟، دار حديث يوم الأربعاء الماضي بيني وبين أحمد وأخذ يفهمني وأنا فاغر فمي أنظر إليه وأقول كيف يعني؟؟ كنت قد اعترضت على من قال بأن رأس السنة يوم السبت لأنني صححتها في الأجندة منذ فترة من أجل أن أتذكر وضع التهنئة على مجانين .....فهو -أحمد عبد الله- مُصِرٌ على أننا في مصر نتبع السعودية فقط في توقيت العيد الكبير -أي عيد الأضحى- ثم نرجع بعد ذلك لنتبع الحساب الفلكي !، ولكن تقديم وقفة عرفات يوما عن الوارد في الأجندة كان يعني بالنسبة لي أن غرة شهر محرم أيضًا لابد من تقديمها يوما! لأن الهلال تقدم يوما أليس كذلك؟ لكن أحمد كان مصِرًّا على أننا نتبع الأجندة أي الحسابات الفلكية في كل السنة الهجرية بما في ذلك أول شعبان ورمضان وعيد الفطر ولكننا نتبع السعودية في تحديدها لوقفة عرفات بناء على رؤية الهلال هناك... فإذا انتهى العيد عدنا لنتبع الأجندة، لست أدري لماذا لم يكن سهلا عليَّ أن أفهم ولكننا لم نُطِل كثيرا في ذلك النقاش.
ويبدأ التقويم الهجري بشهر محرم وهذا ما دُرِجَ عليه منذ زمن طويل، ولا ندري لماذا بدأ التقويم الهجري في شهر محرم، رغم أن الهجرة النبوية الشريفة، حسب عديدٍ من الروايات قد بدأت فجر نهار الخميس في أول ربيع الأول (16 يوليو 622 م) في العام الثاني عشر بعد بداية نزول الوحي والبعثة النبوية، ويعتقد بعضهم أن اختيار شهر محرم كان بسبب كونه الشهر الذي يلي انصراف الناس من الحج، بالإضافة إلى أنه آخر الأشهر الحرم المتتابعة (ذو القعدة وذو الحجة ومحرم)، وكان من الطبيعي أن يكون التقويم الهجري الإسلامي قمريا وليس شمسيا، وذلك بناء علي ما نص عليه القرآن الكريم في اعتبار الأهلة أساسا للحساب ولأداء عدد من العبادات، إذ يقول تبارك وتعالي: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (يونس : 5 )، ويصف تبارك وتعالي الأهلة بأنها مواقيت معلومة لتأدية العبادات بقوله: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (البقرة : 189 ).
وأما قصة التقويم الهجري من بدايتها فهي كالتالي: معروف أن اليهود اتخذوا التقويم العبري مبتدئين من العام الذي خرج فيه اليهود من مصر فارين من فرعون بعد أن نجا الله نبيه موسى عليه السلام من الغرق، وكان النصارى يؤرخون بدءا بميلاد المسيح (عليه السلام)، وكان لكل من الروم والفرس والهند والصين تقويمهم الخاص بهم المرتبط بأحداث تاريخهم، ومن المعروف أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرخ بالهجرة في كتابه لنصارى نجران، إذ طلب من علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يكتب: أنه لخمس من الهجرة .............، وفي عهد خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب أبو موسي الأشعري للخليفة يلفت نظره إلى ضرورة تاريخ رسائل أمير المؤمنين للولاة، خاصة بعد أن اتسعت رقعة الدولة الإسلامية وصارت لها إدارة ودواوين وبيت مال، وكثرت المكاتبات والمراسلات بين الخليفة والولاة وغيرهم في الداخل والخارج، مما جعل المسلمين يشعرون بأهمية التأريخ، وبحث موضوع التأريخ في السنة الخامسة من تولي عمر الخلافة (17 هـ / 639 م)، وقدمت للخليفة مقترحات عدة تصلح للتأريخ منها: مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومبعثه.. أي ليلة الجمعة في 27 رمضان/ 7 يوليو 610 م.. ووفاته صلى الله عليه وسلم أي نهار الأحد في 28 صفر / 8 يونيو 632 م. واقترحت أيضا بعض الأحداث الكبرى كغزوة بدر، وفتح مكة، واقترح علي بن أبي طالب رضي الله عنه التأريخ بالهجرة النبوية سيرا على ما كان خطه بيده بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه لنصارى نجران، فجرى الاتفاق على هذا الاقتراح باعتبار أن الهجرة هي التي أظهرت الإسلام ودخلت به إلى مرحلة مهمة وفاعلة في حياة الإسلام والمسلمين.
أرجع بكم إذن إلى حكاية الهلال والأجندة وأنا أعرف أن مفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة قد أخذ القرار بأن نتبع الحسابات الفلكية، وأنه بعلمه الواسع وحكمته النافذة قد فضل ذلك عندما عرف من ذوي العلم المتخصصين في أمور الجيولوجيا والفلك أن الحسابات الفلكية دقيقة تصل إلى حدٍّ يقارب اليقين، بينما تبقى رؤية الهلال عرضة للتأثر بعوامل عديدة كالطقس وغيره، وأنا غير ناسٍ لاجتماع حضرته في مكتب فضيلته منذ عدة أشهر وكان حاضرا فيه فضيلة الشيخ نصر فريد واصل وأستاذان من أساتذة كلية العلوم مهتمان بالفلك وقد حمل كل منهما ملفا فيه حسابات ورسومات وكنت موجودا عند فضيلته ليكلفني بالعمل في مركز الأبحاث العلمية التابعة لدار الإفتاء المصرية وكان موضوع الاجتماع هو حل إشكالية يواجهها المسلمون في البلدان الشمالية مثل السويد والنرويج حيث أن مواقيت الصلاة والفروق بينها تختلف لحد كبير في فصول السنة المختلفة وهو ما نجم عنه اختلاف بين أئمة المساجد هناك فيما يرون ويتبعهم الناس فأصبح خلافهم ذاك مؤرقا لبعضهم فأرسلوا يطلبون المعونة من دار الإفتاء المصرية، وأذكر جيدا كيف تكلم فضيلة الدكتور علي جمعة فأظهرت رؤيته التي عرضها منهجا علميا لا جدال فيه، وشعرت وقتها بأهمية أن نتفق على مرجعية معينة، ويبدو أنها تكون أصح حين تكون مرجعية علمية، أي فلكية يقوم بها علماء الفلك المسلمون.
وأذكرُ أنني قرأت يوما أن التقويم القمري الإسلامي هو أدق التقاويم العالمية قاطبة، ولو أحسن المسلمون استخدامه حسب القواعد التي وضعها له علماء الفلك المسلمين، إذ أن التصحيح فيه يتطلب يوما واحدا في كل 2500 سنة، وذلك لأن المدة اللازمة للقمر لكي يتم دورته الاقترانية حول الأرض هي مدة ثابتة المقدار ودقيقة القياس وقليلة الشذوذ قياسا بدورة الأرض السنوية حول الشمس، والملاحظ في التقويم الشمسي الميلادي أنه لا بد من التصحيح في فترات زمنية معلومة تتراوح مدتها بين 170 إلى 270 سنة، فقد قام البابا جريجوري الثالث عشر عام 1582 بإلغاء عشرة أيام من تلك السنة، وأصبح التقويم الميلادي يعرف بالتقويم الميلادي الجريجوري، ثم قام البابا بنيدكت الرابع عشر عام 1752 م بإلغاء أحد عشر يوما من تلك السنة، وهكذا فإن التقويم المسيحي الجريجوري بحاجة ضرورية لإجراء التصحيح ليأتي عيد الفصح في موقعه كما كان في بداية التقويم الميلادي، وأما في التقويم الهجري الإسلامي فليس من حاجة ضرورية لأي تصحيح حسابي، وأنا أعرف أن هذه المعلومة الأخيرة ستكون مفاجئة لكثيرين ذلك أن الفكرة السائدة عند معظمنا -مع الأسف الشديد- هي عكس ذلك!.، على أي حال لست أدري بعد هل سيتبع أهلنا في السعودية الفلك أم لا، ولكن الأهم هو كل عام وأمة الإسلام كلها بخير.
السبت 20/1/2007
واقرأ أيضًا:
شيزلونج مجانين: شهوة التصوير / عائدا من ماسبيرو ذاهبا للجهاز