الحيل الدفاعية (1/6)
نواصل اليوم الحديث عن الحيل الدفاعية التي يوحي بها العقل الباطن لتجنب القلق..... وكنا قد بدأنا تلك السلسلة في الأسبوع الماضي بالحديث عن حيلتي الإبطال والإزاحة.....
حيلة تكوين رد الفعل Reaction Formation (التكوين الرديد):
للرسول عليه الصلاة والسلام حديث جميل في تعريف الإثم........ يقول صلى الله عليه وسلم: الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس [رواه مسلم 2553, والترمذي 2389]...... فمن مناّ لا يدور في صدره إثم؟
ومن منّا إذا حاك بصدره إثم واجه نفسه بشجاعة واستغفر الله وقوّم من نفسه......؟ البعض منا يفعل...... والبعض الآخر يستمر في غِيِّه........ هذا البعض الأخير قد يسقط في دائرة من القلق النابع من عدم احترام الذات........ وهنا يطل العقل الباطن بحلوله التخديرية: يهمس لك أن تبالغ ظاهرياً في إظهار عكس ما هو بداخلك..... لعلك بهذه الوسيلة تصل إلى درجة من التوازن: تعوض ما هو في داخلك من إثم بما هو ظاهر من سلوكك.......
مثلاً هذا الزوج الخائن الغشاش الذي اعتاد في طريق عودته من كل خيانة أن يمر على محل الهدايا ليبتاع لزوجته الغافلة هدية ثمينة:
* إن كان سلوكه هذا بدافع الإحساس بالذنب والرغبة في محو العمل السيئ بعمل حسن فإن الحيلة النفسية هنا تكون الإبطال التي تحدثنا عنها في المقال السابق.....
* أما إن كان شراؤه للهدية من باب إبعاد أي شك عن زوجته وإخفاء أي مظهر خارجي من مظاهر كراهيته العميقة لها فإن الحيلة النفسية هنا تسمى تكوين رد الفعل..... تكوين رد الفعل هو إذاً نوع من غسيل الأموال النفسي يوحي به العقل الباطن من أجل التخدير.
وأحياناً –بالذات في مجتمعاتنا العربية– لا يكون ما نحاول إخفاءه والتظاهر بعكسه بالضرورة إثماً....... بل إننا في كثير من الأحيان نتلذذ بإخفاء مشاعر الحب التي نكنها تحت أطنان وأطنان من الأقنعة التي نسجتها حيلة تكوين رد الفعل...... تارة بدعوى الكرامة وتارة بدعوى ماذا يقول عني الناس...... وهكذا...... شيء شبيه بالموقف الذي عبّر عنه نزار قباني ذات قصيدة:
تبدو كأن لا تراني......
وملء عينك عيني
ومثل فعلك فعلي....
ويلي من الأحمقين....!
حيلة الهروب إلى الخيال Fantasy
المخدرات أنواع: منها ما هو منشط و منها ما هو مهدئ......
ومنها ما هو مثل الماريجوانا و الحشيش يفصل المتعاطي عن الواقع و يصنع له عالماً بديلاً من وحي الخيال......
وهذا بالضبط ما تصنعه أحلام اليقظة.......
ما رأيك يا فلان -والكلام للعقل الباطن– بدلاً من مواجهة الواقع ومشاكله... وبدلاً من قلق الفشل وعذاب الانكسار... وبدلاً من عناء المواجهة والمقاتلة من أجل تحقيق النجاح..... بدلاً من هذا كله..... أترك الجمل بما حمل....... وتعالَى أصنع لك عالماً خيالياً ترتبه كما تحب وتنجح فيه كما تشاء..... تطلق فيه الكذبة الجميلة وتصدقها.... وتحول فيه الانكسارات إلى انتصارات.....
هيا يا رجل: أمامك بحر واسع اسمه أحلام اليقظة......... انزل إليه واشرب منه حتى الإدمان......
* قدرٌ ما من أحلام اليقظة مطلوب للإنسان...... وإلا ما كانت الاختراعات التي ملأت حياتنا تقدماً وكانت كلها تبدأ من فكرة تقول "ماذا لو...." ..... بعدها يسترسل الخيال لينتج في النهاية اختراعا مفيداً: دواء..... سفينة..... طائرة.... نظارة..... إلخ.......
في هذه الأمثلة أدى حلم اليقظة في النهاية إلى حل عملي لمشكلة من مشاكل الواقع......
ولكن الخلل يبدأ لحظة أن تكون أحلام اليقظة بديلاً عن السعي من أجل حياة أفضل......
ويتبع........ الحيل الدفاعية (3/6)
واقرأ أيضاً:
صراع في الدماغ: الحيل الدفاعية