أرى أننا نعيش ثقافة الهروب، يتملك الناس شعور أن السفينة تغرق، وأنه لا أمل في النجاة، ويدخلون في حالة من العصاب الجماعي، والذعر الهستيري!
الإصابة بالاضطرابات الشخصية الهيسترية لا تقتصر فقط على المصابة به، فها هي تطارد أطيافي، وتختلق أشباحا تتقمصها، وأدوارا تهرب بها من مواجهة أوجاعها، ومشكلتها أو دستة مشكلاتها!!
هي واحدة من كثيرات، وكثيرون أيضا، كتل بشرية واسعة هاربة في تيه محاولات الإفلات من مصير بائس يبدو لديهم محتوما، ولا طاقة لهم في دفعه أو تغييره، فقط الندب والولولة، وتحطيم أخشاب السفينة، وكل مكوناتها، على أمل الظفر بأي شيء يستندون إليه فيطيل من أمد طفوهم ـبعض الشيءـ قبل أن يغرقوا للقاع!!
البعض يهرب إلى الدين، والبعض وكأنه يهرب من الدين، البعض يهرب من الماضي، والبعض إلى الماضي، الشخصي أو الجماعي، وكله هروب لا ينقذ نفسه ولا أمه، إنما هو الذعر، والتبشير بسوء المصير، والإغراق والغرق في السواد والكآبة، أو البلاهة والبلادة والعبث!!
كل واحد يبحث عن طريقة يهرب بها، ويتهرب من المسئولية، ومن شجاعة الاعتراف بنصيبه فيما يحدث، إنما يجري مهرولا لتعليق ما يجري على أقرب شماعة، ظنا منه أنه سينجو من حساب الله، أو من عذاب الضمير، أو سؤال التاريخ!!
أغلب الناس أراهم "عايشين وخلاص"، بلا إضافة حقيقية لغيرهم، ولا للحياة، ودون بصمة من طاقة خير، أو عطاء بناء!!
سواء محياهم أو مماتهم، والبعض يقولون: حسنا.. إن لم تنفع فضُر!! أي أنهم إما يعيدون إنتاج التفاهة وانعدام القيمة، أو يعملون للضرر، وكله هروب إلى اللاشيء واللامعنى واللاجدوى!!
ومن المسارات ما يبدو غير مهرب، لكنه كذلك، فكثيرون يهربون من الخاص للعام والكثيرون من العام للخاص ولأن الأمر كله هروب في هروب فإنه لا العام يتحرك إلى الأمام كثيرا، ولا الخاص ينصلح رغم الادعاءات بغير ذلك!!
هل يمكن أن يتجاوز الهاربون هذه الحالة من الذعر والفوضى؟!
هل يمكن أن يتوقفوا عن التخبط وإشاعة اليأس والإحباط؟!
هل يمكن أن يستثمروا طاقاتهم في شيء إيجابي أم أن مصيرهم هو الاحتراق في طاقة السلبيات التي يحملونها، وينشرون رسالتها ذات اليمين، وذات الشمال؟!
هل يمكن استعادة الهاربات من بيوتهن وواقعهن إلى إدمان العقاقير، أو إدمان النفاق، أو إدمان الهروب نفسه؟!
هل يمكن استعادة الهاربين من المسئوليات والأدوار اللازمة والممكنة في الأبوة أو الرعاية والبناء الفردي والاجتماعي هل يمكن استعادة بعض هذه الطاقات والكتل المبددة في العبث، وما لا طائل من ورائه؟!
هل هناك سبيل للعلاج من هذه الاختلالات جميعا، رغم اتساعها وتغلغلها؟!
هل هناك سبيل لاستعادة هؤلاء الشاردين الضائعين، أم أنه قد فات الأوان؟!
هل هناك بدائل للتبديد والهدر، والهدم والندب، وكل تفاصيل الهروب الحالي؟!
هل هناك غير هذا الرحيل البائس المؤسف؟!
هل هناك أمل في إفاقة السادرين والمنهمكين في طقوس الغياب والغيبوبة والغرق والاستغراق في حالة الوعي الزائف؟!
هل السفينة التي نركبها تغرق بسرعة أكبر من معدل عوامل الصحة، وجهود الإنقاذ؟!
هل هناك فرصة أو مساحة لغير الشغب والتشويش والفوضى باسم الحرية، أو نتاجا لعقود من الاستبداد والقهر؟!
هل يمكن أن يقف البعض مع أنفسهم بأنفسهم لمراجعة هذا كله، وحث الخطى في اتجاهات أخرى أم التقطيع قد حسم اتجاه سيره الانتحار الجماعي؟!
هل هناك مصير غير الخراب؟!
أو مستقبل غير خيبات الأمل ؟!
أو شعور غير العجز أو اليأس أو قلة الحيلة أو انهيار الثقة في كل شيء أو كل أحد؟!
هل هناك سعة أو ومضة لعزل المرض ومحاصرته، بل للتشخيص والبصيرة بأن هناك مرض ومرضى، وأن هناك شفاء وأمل؟!
أرجو ذلك
06/04/2007
واقرأ أيضًا:
على باب الله: القرآن يتحدى 8/4/2007/ على باب الله: زائدة دودية