مقص السعدني: ربَّ أخٍ لم تلده أمك
وصلنا إلى مدينة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام في حوالي السابعة إلا الربع صباحا ولم تكن معنا حقائب لننتظر وخرجنا من المطار لنجد حافلة نقل جماعي واقفة أمام المطار، سألت من توسمت أنه سائقها إلى أين تتجه الحافلة فقال لي تريد الحرم؟ قلت نعم فقال هيا اركب..... وفي الطريق سألته عن ثانوية الأنصار فقال موجودة فقلت له أنا تركت هذا البلد الطيب منذ ما يزيد على ربع قرن فهل يا ترى سأهتدي إلى مكان سكني القديم؟ كنت أسكن عند تقاطع شارع الستين مع شارع أبي ذر الغفاري فقال لي هذا التقاطع ما يزال موجودا فشعرت بكثير من اللهفة والحنين، ونويت بعد الصلاة في الروضة الشريفة أن أسأل عن ذلك التقاطع.
وصلنا رحاب المسجد النبوي الشريف وكان مسموحا في ذلك الوقت للنساء بدخول الروضة الشريفة فأوصلت زوجتي إلى حيث منعني المطوع –أو هكذا كان اسمه كما أذكر- واتجهت أنا إلى باب الرجال وواصلت طريقي إلى الروضة فصليت وارتويت من ماء زمزم.... والحقيقة أن ما شهدته من توسعات وتغييرات جعلني أدعو من قلبي للقائمين على الأمر فهم بالفعل يستحقون نعمة الله عليهم وهم صائنوها ويبذلون أقصى ما يستطيعون لتخفيف العبء عن زوار المسجدين الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم،...... تساءلت بيني وبين نفسي يا ترى ماذا كنت تنتظر لو أن حكومة كحكومة مصر كانت مسئولة عن مثل هذا الحمل العظيم؟... ولكنني آثرت ألا أسترسل -وحمدت الله أن ذلك لم يكن!- وإن كنت نويت أن أكتب سيناريو متخيلا لتولي الحكومة المصرية لا قدر الله شئون الحرمين الشريفين.
خرجت بعد ذلك من المسجد النبوي ولاحظت اختفاء أو ندرة حمام الحرم ولم أجد تفسيرا لذلك ربما غير كثرة المباني الشاهقة حوله وكلها فنادق بالطبع، ولكنني لم أسأل أحدا عن السبب، الحقيقة أنني كنت منهكا إلى حد أن عيناي كانتا زائغتين ورأسي فيه من الصداع أكثر مما فيه من الأفكار، جاءتني رسالة على المحمول واحدة من ابنتنا هدى الصاوي تسألني كيف سيمكنها أن تراني؟ ورددت بأنني اليوم في المدينة يا هدى غدا إن شاء الله نرتبها، وتذكرت عند ذلك رسالة الأستاذة صفية الجفري التي كانت وصلتني بالأمس تقول فيها نورت جدة فرددت عليها منورة بأهلها....، وشعرت بأنني لم أشعر بالتعب والمعاناة في الرد على رسائل المحمول مثلما شعرت في ذلك الوقت، كانت الرؤية مجهدة بحق... يا الله يبدو أنني كبرت فعلا ولم أعد أستطيع مواصلة يوم بيوم دون نوم.
رجعت أنتظر عند باب خروج النساء، وقد عزمت أن أبحث عن أحد الفنادق لننام فيه عدة ساعات وبالفعل خرجت زوجتي واتجهنا لا لأقرب فندق وإنما لذلك الذي توقعت أنه سيكون أرخص سعرا، خاصة وأن المطلوب فقط هو سرير للنوم ولسنا في حالة من يريد الاستمتاع ولا لدينا القدرة عليه ولا الوقت له، وكان ذلك الفندق المتواضع في شارع أبي ذر الغفاري غير بعيد فيما أحسست عن مكان سكني في الثانوية العامة،...... دخلنا الغرفة وإن هي إلا دقائق معدودة ورحنا في سبات لم نفق منه إلا قبل العصر بقليل، وبعد أن صلينا الظهر والعصر جمع تأخير قصرا... رجعت مرة أخرى إلى التقاطع وحاولت أن أجد مكان سكني القديم ولم أفلح فقد تغير كل شيء،.... وفي الطريق تناولنا غذاءنا وشربت زوجتي الشاي الذي لا تستطيع الاستغناء عنه بينما شربت أنا قهوتي السوداء.
وقبيل المغرب بقليل رجعنا إلى الحرم الشريف فصلينا وانتظرت في الروضة حتى صلاة العشاء، وبعدها تجولنا في السوق قليلا وعندما وصلت الساعة التاسعة مساء أخذنا سيارة أجرة إلى المطار وأحمد الله أنني وفقت في إيجاد مكان على طائرة الحادية عشرة والنصف وبالفعل كنا في مطار جدة في حوالي الثانية عشرة والربع من صباح الأربعاء..... ووصلنا الفندق على كورنيش جدة.... وتعشينا بالغرفة ونمنا، وفي الصباح كانت بداية المؤتمر.
ويتبع>>>>>> : مقص السعدني: أين بحثي يا مؤتمر؟