أراقب نفسي، أشاهد أحوال الناس من فوق مقعد عيادتي، ومن تجوالي بينهم ليلا ونهارا، أقرأ وأستمع جيدا لخبرات وأخبار من هنا وهناك، أتعلم، أو أحاول أن أتعلم، من كل شيء، ومن كل أحد يمر بي أو أمر به، وتتجمع الأفكار والتجارب في رأسي، وكل كياني، وأود أن أصرخ المرة بعد المرة بأن حياتنا هي قطعة من العذاب، وأودية سحيقة من جحيم لا يتصوره عاقل، نعيشه بسبب حماقات متراكمة بعضها فوق بعض، والحلول أحيانا تكون بسيطة ومتاحة ومتوافرة، لكننا لا نراها، وأحيانا لا نريد أن نراها، وتارة نكسل عن المبادرة بالتفكير أو البحث أو الاجتهاد في هذا الشأن أو ذاك!!
عضلات جسدي تؤلمني، ورأسي أحيانا ما أشعر به يكاد ينفجر من هذه المفارقات المفزعة التي أراها تملا حياتنا، ومن قدر الحمقى والحماقات في حياتنا!!
وكم تعودت أن يطربني قول الشاعر القديم، وكم يؤلمني في الوقت ذاته وصفه للبهائم التي تسير في بيداء لا زرع فيها ولا ماء، تموت من العطش، وهي تحمل الماء فوق ظهورها!!!!
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق رؤوسها محمول
وأنتهز فرصة الكتابة لتشريح ظاهرة، أو تفصيل الحديث عن مرض نعاني منه في التفكير أو الممارسة، وأحياناً ما أتطرق لوصفة علاج هنا أو هناك، ولكنني أشعر دائماً أن هذا لا يكفي وحده، رغم أنه ليس وحده في حالتي، فأنا أحاول مساعدة الناس حيثما أتواجد في عملي صباحاً أو مساءاً، وأحاول ترديد نفس قناعاتي على شاشات الفضائيات، في الإذاعة، وفي كل مناسبة أجلس فيها أمام ميكرفون، أو جمهور!!
لكنني أشعر أن صوتي يضيع وسط ضجيج ما تصبه الأجهزة في عيون الناس وآذانهم وعقولهم، رغم أنني مستمر في تكرير وتنويع وتفصيل وتوضيح ما أريده.
أحياناً أحلم أن من يؤمنون بأفكار إصلاحية معينة ينبغي أن يتجمعوا ويعملوا وسط الناس، في الشارع، وفي كل مكان ووقت ممكنٍ أو متاح، ليس مجرد نصحاً ولا وعظاً، وإنما عوناً ومساندة وتعليماً وتعلماً، وتفاعلاً وإيضاحا، وحواراً ومناظرة، وتطبيباً لأوجاعنا جميعاً، وهي كثيرة وثقيلة.
أحلم ببرنامج تليفزيوني مخصص لهذا، قناة فضائية، مركز تعليمي، وربما جامعة، وكل أشكال التوجيه والتفاعل والبحث والنشر، ولا أحسب جهد واحد يكفي، ولكننا نحتاج إلى جيش!!
أجد نفسي ممتناً لكل من يبعث لي بكلمة شكر، أو مراجعة تعقيب، أو استفسار، أو عتاب ، أو نقد، أحب أن أشكره على اهتمامه، ومتابعته.
ولكنني أيضا سئمت حالة (الفرجة) التي دخلنا فيها جميعا، حيث صرنا نشاهد ما يجري حولنا، ولا نتفاعل معه إلا يرفع الصوت بالصراخ أحيانا، أو بذرف الدمع، أو بتغيير قناة المشاهدة إلى أخرى تعرض فرجة أخرى!!
بينما هناك آلاف الخطوات والأفعال والبرامج والمبادرات البسيطة أو المركبة التي يمكن أن تضفي لمسة إنسانية، وتجعل حياة بعضنا، أو على الأقل بعض من حولنا أفضل بالتأكيد، وبعضها في المتناول جدا، ولكن!!!
كنت على إذاعة (مصر اليوم) في حوار طويل امتد، وسألني من يحاورني عما يجري لنا، وهل يضايقني أو يفزعني حجم التغيرات أو المصاعب أو التحديات التي علينا أن نواجهها، وقلت له بغير تردد: ما يفزعني ليس ما نعيشه أو ما نواجهه أو يواجهنا، ولكن طريقتنا في التعاطي معه، أو بالأحرى في عدم التعاطي أو التفاعل معه!!
وهذا ما أكتبه منذ سنوات!! كأننا الخراف تساق إلى الذبح مستسلمة لأقدارها، رغم أنه بحسب معلوماتي أننا لسنا خرافا، ولا الذبح هو قدرنا!! أينما وليت فثم كارثة أو فاجعة من دماء تسيل، أو سوء فهم، أو إصرار على الغباء، أو جهود حثيثة يبذلها البعض بحسن نيةـ وأحيانا بغير ذلك من أجل جعل حياة من حولهم جحيما لا يطاق، والأغرب أن البعض يتكيف مع هذا الجحيم غير المنطقي، ولا الإنساني، ولا المحتمل، والأشد إيلاما أنك حين تدقق بعمق ربما تكتشف أنه ليس أمام بعض الجموع غير هذه الاختيارات الساحقة، طالما تواصل إصرارنا على الفرجة والاستسلام لما نحن فيه!!
شكرا لمن سيشكرني، ولكنني أطمح حقا لغير ذلك...
واقرأ أيضًا:
على باب الله: ما العمل/ على باب الله: الإعلام الذي نحتاجه