أخي العزيز الدكتور وائل أبو هندي حفظك الله؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذه مقالتي بعنوان "لقد أكل الحملان الذئب" التي أرجو منك أن ترسلها لتوتا، ولكل من شارك في قصة توتا.
أفكار ذئبوية: إذا قتل الإنسان ذئباً قالوا أنها رياضة، وإذا قتل ذئب إنساناً قالوا هذا توحّش.
لقد أبقينا على اتهامنا الذئب بالافتراس والتوحش حتى انقرضت الذئاب، وبتنا بحاجة إلى: "جمعية حماية الذئاب" لكي يعرف أولادنا ما هو الذئب، أو كيف يكون شكله. بالرغم من أن الله خلقه لدور معين في الحياة، لا يحل مكانه فيه إلا من هو أشرس، كالضبع والسبع والنمر.
لا يظن أحد بأني هنا بصدد كتابة مقال للدفاع عن الذئاب، ولكن للحديث عن قصة "توتا": ومن لا يعرفها؟ فقد كانت في وقت من الأوقات قصة القصص، وحديث الأحاديث.
بالاختصار:
توتا كانت الزوجة المصون المتعلمة من عائلة عريقة، وهي في نفس الوقت على ما يبدو، ذات وظيفة عالية (كأستاذة جامعية أو ما شابه) ولا وقت لديها للتفرغ للعائلة والزوج. إنها سعيدة بحياتها، وتجد نفسها في الوظيفة والمجتمع، كما أنها تعطي من وقتها ساعتين باليوم فقط للمنزل والزوج والأولاد.
شكواها هي بأن زوجها المتعلم، وربما يكون أستاذاً في الجامعة، معروفاً محلياً وعربياً، يتزوج بالسر سواها، أكان ذاك بالمسيار أم غيره من الزواجات الغير معلنة. كانت توتا تشتكي منه، بالرغم من أنه، مثلها، لا يعطي الكثير من وقته للمنزل. لم تشتك من بخله على البيت واهتمامه بالعائلة والأولاد بالشكل لا بالتفصيل، بل جُل شكواها كان في "خيانته لها" بزواجاته الأخرى المتقطعة.
إنه مسلم ملتزم، لا يشرب الخمر ولا يلعب القمار، لا يحب السهرات والضهرات، ولكنه يحب النساء على ما يبدو، فيتزوج واحدة أو أثنين أو أكثر ربما.
إجابتنا كانت بأن تلتفت توتا إلى المنزل وإلى ما هي مقصّرة به فتصلحه ومن ثم سترى بأن الزوج، سوف يعود ليجد الزوجة بانتظاره، وعلى الموعد فيقلل من اللقاء مع الأخريات ويتفرغ للمواعَدة المنزلية.
لم نستطع أن ندينه كثيراً، لأن ما يقوم به، قد يغضب الزوجة، ولكن لا يغضب الله سبحانه، بما أنه حلال.
ثارت ثورة النساء عامةً، وبعض الرجال خاصة. ولم يشجع أحد توتا على المسامحة، رحمة بالأولاد الأربعة عندهم. بل نصحها أكثرهم بأن تطلق. أو بأقل التعديلات، كالوا على زوج توتا الشتائم والإهانات، دون أن يحاولوا، بالكلمة الطيبة، أن يصلحوا بين الزوجين ويقربوا وجهات النظر...
لقد لحقني من "المشاكل" بعض اللكمات التي تحملتها برحابة صدر. "فالمصلح له ثلثي القتلة" ولكن كان همي وقلبي على الأولاد الذين "يتضرسون من أكل حصرم الوالدين" (الزوج بالزيجات والزوجة بالإنتقام).
استفادت توتا من الثورة العارمة ضد زوجها، وأخذت الأولاد ورحلت إلى منزل والديها. طلبت الطلاق، وأجبرت زوجها أن يدفع نفقة الأولاد. ولم يستطع حتى أكبر علماء الدين بردع توتا عن الإقدام على تفجير العائلة. فانفجرت.
النتيجة:
طلق الرجل الذي سميناه الذئب في تلك القصة، منصاعا. وقد عاد إلى منزل أمه، بعد نجاح اجتماعي طويل، صنعه يوما بيوم وساعة بساعة، وفكرة بفكرة.
لقد التقيته، فكان حزيناً، ترتسم في عينيه لوحات من الأسى، وعلى جبينه مساحات من التعب، وعلى نبرة صوته خفوت. يكاد البكاء لا يلبي المطلوب، فيسكت. ولا تنسكب الدموع خوفاً على الكبرياء. وهل بقي لظهره دعامة إلا هذا الكبرياء الهزيل.
كدت أبكي لحالة وتذكرت حالة الكثير من الأنبياء، الذين أوذوا جميعاً، حتى قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وسلم) "ما أوذي نبي مثلما أُوذيت" .
الزوجة الآن "توتا"، تعيش بمفردها مع الأولاد وأمها، ولكن بدون زوج، بتاتاً ولو بالظل.
الأولاد يعيشون بدون الوالد الذي يرونه مرة بالأسبوع، بعد أن كانوا يعيشون معه ولو لفترة قصيرة.
الأولاد مع أم بلا أب، أيتام مع حياة الوالد.
لقد حاربتُ بالقلم وبالفكرة، كي لا نصل إلى هذه النهاية التعيسة. ولكني فشلت. وها أنا ذا تعيس لهذا الفشل، الذي أدى إلى تشرذم العائلة التي حاولتُ أن أحافظ على شكلها وجسدها ولو متشققاً، فأصلحه ما أمكن، كي لا أقتله.
وقد فضّل الآخرون قتل المريض، على مداواته. فقتلوا العائلة. ولم يسمعوا صدى كلمة "من أحيا نفساً كأنما أحيا الناس جميعاً". ومن قتل نفساً أو عائلة فكأنما قتل الناس جميعاً.
فيا توتا: هل أنتِ سعيدة الآن؟؟
لكِ مني كل الاحترام والتقدير. أعرف أنك ضحية، كما هو، كما الأولاد.
ولكن السؤال: هل ما زلتِ تريدين حلاً؟؟
فأرجو منكِ أن تكتبي وتسألي عنه من جديد. وعندها، سوف لن أبخل. وسوف لن يبخُل كل من كتب سابقاً، أن يدوّن فكرة، قد لا تكون مماثلة لما كتبوا بالسابق. وإلا فسيكون القتل عن الإصرار والتصميم. وكيف يواجهون ربهم عندها وقد كُتب على جبينهم عبارة "قَتَلَةْ"؟
توتا: رسالتي الآن لكِ وليس العكس. وإلى كتّاب توتا، أكتب:
هل من مشارك معي في "جميعة رعاية العائلة"؟
والسؤال الأهم: من هو الذئب بالنهاية: القاتل، أم المقتول؟؟.
لبنان _ صيدا في 12-07-2007
واقرأ أيضاً:
رؤيا في عرنابا / أسطورة الذئب والحملان مشاركة 19 / شيزلونج مجانين: أسطورة الذئب والحملان / ماء... مّــاء... مّـــاء... كهربــاء