عقلاء الشارع أخطر من المجانين
أرسلت الأستاذة بسمة عساف (مبرمجة كمبيوتر/ماجستير في الإدارة، 38 سنة، الأردن) تقول:
عقلاء الشارع أخطر من المجانين
الأستاذ الدكتور وائل، السلام عليكم ورحمة الله
مع أنني أتألم كثيرا من رؤية المرضى النفسيين أو كما يدعوهم العامة مجانين وذلك للوضع المزري الذي يكونون فيه من اتساخ ملابسهم وأبدانهم ووكأنهم لم يقربوا الماء منذ سنين،،، ويؤلمك أيضا نومهم بالشارع العام وعلى الأرصفة ونظرات التيه في عيونهم،،، ولا أخفيك سرا أنني والكثير ممن أعرف عند اقتراب أحد هؤلاء منا نفر هاربين ونتجنب المرور بقربهم.. لا أدري ما يخيفنا ولكننا نخاف...
أستاذي هؤلاء في بلادنا واقصد هنا بالأردن عددهم قليلون جدا وهم ليسوا من الفئة التي تسميها "بالعبيط" أو المبروك كما نراه على في المسلسلات والأفلام المصرية... ولكنهم من الفئات التي نعتقد أنهم تعرضوا لصدمات معينة أو لضربات موجعة من هنا وهناك وفهمك يكفي.. فطريقة كلامهم والعبارات التي يتفوهون بها تدل على اتجاهاتهم السياسية الماضية على اعتبار أنهم حاليا لا سياسات لديهم ولا ما يحزنون.. ولكنهم بلا خطر كما تقول أستاذي الفاضل فالمجتمع لا يشتكي من خطورتهم ولا يتعدون على أحد ولكنهم تائهون يسيرون وحدهم ويدل عليهم فقط منظرهم الأشعث والقذر وبعض العبارات التي يتحدثون بها وإن كان أكثرهم صامتين....
ومعك كل الحق أستاذي العزيز بأن العقلاء حولنا أو من نظنهم عقلاء هم الأخطر علينا وعلى المجتمع من متآمرين ونصابين وملحدين وممن يتاجرون في أقوات وأعراض الناس وممن يتعدون على عباد الله في أنفسهم وأعراضهم وأموالهم...
ولكن إن كان باستطاعتنا أن نمد لهؤلاء المرضى يد المساعدة فلنفعل من أجلهم وليس من أجلنا نحن، فنحن في منأى من خطرهم ولكنهم ليسوا بمنأى من خطر المجتمع والجوع والضياع... "في كل كبد رطبة أجر"
وأكرر خلفك أستاذي الفاضل "وكل رمضان ونحن من الله أقرب وفي طاعته أصوب"
آميــــن
بسمة عساف
الأخت العزيزة بسمة أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا على مشاركتك الطيبة، ربما يكون الوضع مختلفا في الأردن ويبدو أنهم أكثر رحمة من أولي الأمر عندنا في مصر مع المعارضين السياسيين فعندنا يذهب هؤلاء مكانا يسميه الناس وراء الشمس.... والحمد لله أنني حتى الآن لا أعرفه ولا عاد أحد من الذين ذهبوا إليه فأخبرنا عنه.
قرأت قريبا حديثا صحفيا مع الدكتور ناصر لوزة أمين الصحة النفسية بوزارة الصحة المصرية مفاده أن 19% من المصريين يعانون من اضطرابات نفسية أي ما بين 14 و16 مليون مصري، ومنهم ما يقارب 2 مليون مصابون بأمراض عقلية، وعندنا عجز كبير في طاقة المستشفيات النفسية التي تبلغ فقط 10000 سرير وهي طبعا مكدسة تماما بالمرضى الذين يشكلون في حقيقة الأمر فقط 0.5% من مجموع المرضى والباقون يعيشون في المجتمع وسط الناس، وبعيدا عن معنى ذلك وما يمكن أن يستنتج منه أؤكد هنا أنا أن كثيرين من المرضى النفسيين يعيشون بيننا ولا ندري بهم وليس في هذا ما يخيف لأنهم كما أكدت من قبل أقل خطرا غالبا من عقلاء كثيرين.
الأهم من ذلك هو أن الدكتور ناصر أشار إلى فشل برنامج توعية قام بإجرائه بمنحة من الحكومة الفنلندية من أجل مقاومة وصمة المرض النفسي ولم يفلح في شيء... وبينما يرى الدكتور ناصر أن سبب فشل برنامج التوعية كان ربما خطأ التوقيت أو شدة رسوخ الوصمة أرى أن السبب راجع في الأصل إلى عدم دراية القائمين بتلك البرامج بأصل الوصمة ومصدرها ولعل ذلك هو ما أشرت إليه في مقالي وصمة المرض النفسي ليست من عندنا.
فإذا نحن عرفنا مصدر الوصمة الحقيقي وكيف تسللت إلى ثقافتنا فإن محاربة الوصمة تبدأ من هنا وبالطرق المناسبة، فإذا كان اقتباس الأفلام والأدبيات الغربية وتمصيرها وبالتالي تلويثها لثقافة المصريين وغير المصريين من العرب -باعتبار أن مصر كانت رائدة فيما مضى من الزمان- فإن تصحيح ذلك يكون بأفلام أو مسلسلات تحمل مادة حقيقية من تراثنا نقرؤها مباشرة من أصولها وبالتدريج تتم توعية الناس.
أشعر كثيرا بالفخر وأنا أسمع مريضا أو مريضة يقول لي أظن أن تشخيص حالتي كذا... فأسأله من أين لك كل هذه المعرفة فيجيب من مجانين يا دكتور.... وشخصيا أعتبر ذلك خطوة حقيقية على الأرض في اتجاه محاربة الوصمة فالإنسان يا بسمة يخاف أكثر مما يخاف من الشيء الذي يجهله وبالتالي فإن مجانين وغيره من المواقع التي تحاول إيصال مفاهيم الصحة النفسية الاجتماعية للناس بالعربي هي حتى الآن العمل الحقيقي الأوحد باتجاه محاربة الوصمة، وقريبا بإذن الله يكون بإمكاننا كمجتمعات أن نستوعب مرضانا مثلما كنا في الماضي،............... سعدت بمشاركتك وأهلا بك دائما على مجانين.
واقرأ أيضاً:
أثناء المشيِّ.... وفي المشي/ مع الجميلة دبي لثاني مرة1مشاركة1