سأروي عليكم قصتين حدثتا على كوبري 6أكتوبر الأسبوع الماضي:
الأولى كانت يوم خميس وهو من أزحم الأيام على الإطلاق في مدينة القاهرة. كانت الساعة الواحدة ظهرا عند منزل الكوبري المتجه إلى كورنيش العجوزة فوجئت بخنقة مرورية وتوقف السيارات وعندما اشرأبيت بعنقي تبينت وجود موتوسكلين شرطة يغلقان الطريق وكأنه كمين على الطريق الصحراوي. دون مبالغة. وفوق هذا فوجئت بأحد الكونستبلين يراجع أوراق القيادة أو الرخصة للمواطن الذي يقود موتوسيكلا. لم أجد بدا من النزول من سياراتي والتوجه إلى رجال المرور مستنكرة مراجعة الرخص عند منزل كوبري فأجابني أحدهما بعد مخاطبتي إياهما بأن هذا غير قانوني ويعد تعطيلا لسير المرور بأنه هناك مرور لأحد المسئولين فرددت متسائلة عمن أوحى إليهما بأن المسئول أهم من المواطن.
فأجابني "روحي اشتكي" فأكدت أني فعلا سأشتكي وها أنا ذا أفعل بنشري شكواي للمسئولين. في تلك اللحظة مسحت بنظري قائدي السيارات والنقل العام المستسلمين للأمر والواقع وفكرت بأني لا يجب أن أنزل الشارع دون كاميرا الفيديو خاصتي لرصد الانتهاكات أيا كانت. لكن يبدو أن حوارنا قد هز الثوابت لدى رجلي المرور ففتحا الطريق وكنت أول العابرين. وأخذت أضحك وأنا أستعيد مشاهد كليب الفيديو الذي انتشر أثناء شهر رمضان على يو تيوب وفيه شاب يعطي نماذج كاريكاتورية فذة حول قدرته على ابتكار وسائل تعطيل وكربسة الشارع المصري مجسدا شخصية أحد المسئولين عن الحالة المرورية في شوارع القاهرة.
وأنتقل إلى المشهد التالي. أمي تقود سيارتها السوبارو الصغيرة جدا في الثانية عشرة عند منتصف الليل في شوارع الزمالك يوم الأحد الذي هو من المفترض أن يكون أقل أيام الأسبوع ازدحاما وأنا أجلس بجوارها. وعند مطلع الجزيرة نفاجأ بكوبري 6 أكتوبر شديد الازدحام إلى درجة التوقف. نتعجب مقرتين بأن المرور بالقاهرة لا يمكن فهمه ولا وضع قواعد له. عند مفترق الطرق وبالتحديد منزل الكورنيش وميدان التحرير في اتجاه رمسيس نجد تجمعا بشريا وسيارات منتظرة بمحاذاة الرصيف. لكن الشتاء قد دخل البيوت والجو بارد إذن لماذا هذا التجمهر الاحتفالي؟ أسأل أحد رجال الأمن فيجيبني بأن سيارة قد سقطت من فوق الكوبري إلى ميدان التحرير فأنظر إلى السور المحطم وأقفز من السيارة فالطريق أصلا متوقف لأرى سيارة حديثة مقلوبة علي جانبها وكميات من الشباب أسفل الكوبري يصورون المشهد بموبايلاتهم.
ثم تلتقط أذني صيحة من شاب لصديقه يقف بجواري "ياله ما تصور مش أنا جايبك عشان تصور؟" فأندهش اندهاشا من ذلك الهوس بالتقاط الصور رغم فداحة الحادث فتناديني أمي كي أعود إلى السيارة ونتحرك خطوات لنجد صفا آخر من السيارات التي مرصوصة عموديا على سور الكوبري بزاوية في مشهد احتفالي. حتى وقتنا هذا هناك الكثير من الأسئلة التي تدور في رأسي عن اختفاء التعاطف والصدمة من هذه المشاهد المفجعة وحول الرغبة المبالغ فيها في تسجيل الحدث. ولماذا أصلا أنا مندهشة ألم أفكر منذ أيام في ضرورة توثيق مشاهداتي في الشارع المصري؟ هل هذا خير أم شر؟ دلوني
أقرأ أيضاً:
الحرية والحق تبدأ من جوه البيت/ المحارب المصري ضد الفساد لعام 2007