يقول علماؤنا أن هناك فجران فجر صادق وآخر كاذب أما الكاذب فهو نور يبدأ في السماء ويستطيل فيها بغير أن يملأها، وأما الصادق فيأتي بعده يبدأ شيئا فشيئا حتى يملأ السماء بنوره، وكذلك الإنسان له فجران أحدهما كاذب حين يتعلم الإنسان شيئا ثم يبدأ في التطاول والتعالي على الناس بعلمه فرحا وظنا منه أنه خير منهم، أما صاحب الفجر الصادق فذاك إنسان بدأ التعلم وأخذ بالعلم شيئا فشيئا وما ازداد علما إلا وازداد معه تواضعا وخشية ذلك إنسان أدرك حقيقة العلم وجوهره.
إن العلم والتعلم ما هو إلا محاولة لدراسة أو لفهم الموجودات ومعرفة مدلولاتها ومعانيها معرفة ظواهرها وطرق الاستفادة منها وطرق الابتعاد عن مخاطرها، تعلم فنونها وما غير ذلك الكثير كل هذه الدراسات لابد وأن تؤدى بنا حتما إلى مسبب الموجودات جميعا وهو الله سبحانه فكل المخلوقات تقودك إلى خالقها فالله سبحانه هو حقيقة العلم وجوهره.
لقد قدر للإسلام أن يكون خاتم الأديان وقد قدر له كذلك أن يمر على عصور كثيرة مختلفة الحضارات والأفكار والعادات والتوجهات ولكي يكون الإسلام قادرا على أن يجارى كل العصور منذ البعثة المحمدية على نبيها أفضل الصلاة والسلام والى يوم القيامة فقد جعل الإسلام العلم ركنا من أركانه بل جعل العلم وتحصيله فريضة على كل مسلم فالجمود والإسلام لا يتفقان، والعلم هو طريق التجدد المتواصل عبر العصور فهو الذي يكسب أصحابه القدرة على التكيف مع مجريات العصر بل والقدرة على الإبداع فيه فيكون بذلك ليس بمتعايش فقط بل وبان في صرح الحضارات المتواصل تلك الحضارات التي تبنى على أساسين من العلم:
- الأساس الأول هو مقدار ما توصلت إليه الشعوب من علوم تساعدها على بناء حضاراتها.
- أما الأساس الثاني فهو مقدار ما أدركت تلك الشعوب من حقائق علومها وهذا الأساس هو الذي يحفظ استمرارية الحضارات، أي أننا بالأساس الأول نبني وبالثاني ندعم ونرسخ فهذا الأساس الثاني هو الذي يمد الحضارات بالشرعية بين الشعوب فيما بينها وبين الشعب بعضه البعض.
حضارات المسلمين السابقة بنيت على الأساسين السابقين وما أن بدأت في فقدان الجوهر بدأت في الانهيار وهذا حال أي حضارة تبنى بغير شرعية تكتسبها من جوهر علومها وقلنا ونكرر جوهر العلوم كلها هو الله لأنه هو خالق الأشياء التي بني العلم عليها.
لقد حثنا الإسلام كثيرا على العلم وتحصيله فنحن أمة اقرأ وجعل للعلم والعلماء منزلة كبيرة يقول تعالى "......يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ....."(المجادلة:11) وقال تعالى "هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ...." (الزمر:9) وقال تعالى "شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (آل عمران:18) وقال تعالى "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء...."(فاطر:28)، وأحب أن أتوقف عند الآية الأخيرة فيها أن أكثر الناس خشية لله هم العلماء.
كم من عالم استمعت إلى علومه وما توصل إليه فأخذتك الدهشة والإكبار له ولكن حقيقة الأمر أن لا علم من علومه استطاع أن يوصله إلى حقيقة الوجود كله وهي أن الله موجود، العيب هنا ليس في علومه وإنما في عقول أخذت من العلوم ظاهرها واكتفت به دون محاولة جادة للنظر بعمق قليلا ولو تعمق لأدرك أو لعله تعمق وأدرك ثم أنكر!!
ولكن أقول أيضا كم عالم وقفت أمام عذب كلماته ووضاءة وجهه وحسن سمته ووقار هيئته فإذا بك مجبر على إجلاله وتقديره وتتساءل كم أعطاه الله من علم تراه متواضعا تواضعا جما فهذا إنسان ما ازداد علما إلا وازداد تواضعا بحق فكلما تعمق في علومه أدرك كم هذا الكون بديع؟ وكم هو مملوء بالحكمة؟ وكم هو دقيق صنعه؟ وكم هي آلاء الله ونعمه لا تعد ولا تحصى؟ فوجد نفسه مجبرا على أن يعترف أمام هذا كله بأنه كم هو مقصر في حق الله وكم هي أعمالنا قليلة، وأدرك أن الجنة تكون برحمة الله لا بعمله كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال (لن ينجي أحداً منكم عمله). قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة......) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري ومسلم.
وللحديث بقية.......... جوهر العلم2
اقرأ أيضاً:
جابر بن حيان شيخ الكيميائيين / لنتعلم كيف نتعلم / الفرق بين العلم والمعرفة والفهم / خيانة العلم والشعر / التفكير العلمي في مقابل التفكير الخرافي والأسطوري