الصور الرئيسية في الصفحة الأولى لجرائد هذا الصباح تضم الرئيسين مبارك وجول، وجريدة الأخبار اختارت صورة للسيدة سوزان وزوجة جول بحجابها الأنيق، ولا أدري مشاعر السيدة سوزان، وهي تبتسم مجاملة لقرينة رئيس أصغر سنا بكثير، ومحجبة؟! نسمع أن للسيدة حرم مبارك موقف سلبي شبه معلن من الحجاب، فلا توجد أي امرأة محجبة في المجموعة المحيطة بها دائما على مر ما يزيد عن ربع قرن، ولا توجد امرأة في الصورة، أقصد في المشهد النسائي الرسمي تضع شيئا على رأسها عدا وزيرة القوى العاملة، وهي حديثة نسبيا في منصبها مقارنة ببقية الفرق النسائية التي أحاطت وتحيط بحرم الرئيس!!
اليوم تبتسم السيدة سوزان ـربما بتحفظـ مرحبة بحرم الرئيس التركي المحجبة، عقبالنا يا رب!!
وفي مصر يرتفع بين الحين والحين لغط حول الحجاب، مجرد حوارات ساذجة أو صارخة بين من يعتبرون الحجاب حقا لمن ترتديه، على الأقل، ومن يعتبرونه رمزا للرجعية، وسجنا للجمال أو للعقل أو لهما معا!!
الحجاب سبق الإسلام وأقره التشريع في كلام ربنا جل وعلا، وفي سنة رسوله وفي سيرته وفعله، لا أتصور المرأة المسلمة تخرج وتشارك الرجل كتفا بكتف، وهكذا أرى مكانها، خارج بيتها حين تخرج، لا أتصورها في نشاطها هذا إلا وهي تستر أنوثتها أو تخفف منها بالزي الفضفاض البسيط المحتشم لتتساوى حقا مع الرجل شكلا وموضوعا!!
لسنا ملائكة، ولكن بشر نحاول الكمال، ويتسرب منا الخطأ هكذا أو هكذا، فلماذا نعترض طريق من تستلهم موضة "مريم العذراء" كما رسمتها الصور، وتخيلتها الفنون، ولماذا تستر الداخلة على بابا الفاتيكان شعرها أو تحاول؟!
أسمع عن تمييز ضد المحجبات وتشغيلهن هنا أو هناك، ويضايقني هذا كما يزعجني جدا أي تمييز اجتماعي ضد غير المحجبة، وأرفض أن يختصر التحرر والعقل النقدي والنشاط الذهني، والحيوية الإنسانية في عدم الحجاب، كما أعجب لاختصار العفة والتدين وواجبات ووضع المرأة المسلمة ودورها وفقه حياتها كله في الحجاب!!!
هذا كلام تداعى إلى ذهني وأنا أرى السيدة حرم مبارك جنبا إلى جنب السيدة حرم الرئيس التركي. وما يجري في تركيا تتابعه الدنيا كلها، ويؤثر على العالم بأسره لأننا أمام تجربة مختلفة لمسلمين يسلكون مسلكا فريدا إذا ما قورن ببقية بلدان المسلمين!!
الحزب الحاكم في تركيا هو ابن شرعي للحركة الإسلامية السياسية هناك، والبلد كله يحتاج منا إلى دراسة أعمق لنفهم، ويحتاج إلى زيارة وزيارات لنرى أوضح.
أكاد أندهش من الذين يتقافزون هنا في مصر معترضين على النظام الحاكم، أو على الحركة الإسلامية هنا، الإخوان المسلمين تحديدا، ولسان حال المتقافزين يقول: اشمعنى إحنا!!
الصرخة حول النظام تقول: نريد ديمقراطية، وحكما متداولا ومتجددا، والصرخة حول الإخوان تقول: نريد حركة ناجحة تصل إلى الحكم والتمكين بدلا من الانتقال بين الملاحقات والمعتقلات، والفشل تلو الآخر!!
ومصدر دهشتي هو عدم نضج الرؤية، وربما غيابها، وبالتالي لم ندرك من الموضوع غير النهايات، ولم نر من الجبل إلا قمته!!
الحزب الحاكم في تركيا وصل ويحكم نتاجا لعمليات متشابكة في إدارة ونظم تسيير الخلق والأمور هناك لعقود، هذه العمليات أنتجت ما نراه اليوم ويتمناه بعضنا دون أن يفهم أو يبحث في العلميات التي تكمن وراءه!! إنها السطحية المعتادة!!
لست منبهرا بالخبرة التركية ـمع شديد احترامي للجميعـ وأرى أن فيها اجتهادا ينبغي فهمه جيدا، وأرى تسرعا ورعونة ونزقا في الاندفاع إلى تأييده والرغبة في محاكاته، كما أرى تسطيحا كالمعتاد في نقد فريق آخر ـعلى خلفية إسلاميةـ لما يحصل في بلاد الأناضول!!
سأتكلم هنا عن المتحمسين للتجربة! هل المتحمسون لدينا للتجربة التركية مستعدون لدرجة من درجات العلمنة عاشتها تركيا وما زالت تعيشها في علاقة الدين بمؤسسات الدولة؟!
أنا أتسأل هنا بشكل محدد، وغالبا ما نفتقد التحديد!!
هل المجتمع الأهلي المحلي لدينا قابل للتطور اعتمادا على التمويل الذاتي، وليس الأجنبي، وليتحرك من مجرد جهود إعالة الفقير، "كفالة اليتيم" إلى أشكال أرقى، ومؤسسات أكثر تماسكا تنهض في التعليم والإعلام والتنمية والثقافة، وبجهود لا تسقط في روتين الدولة، ولا تدور في فلك التوظيف لمصلحة السياسة والانتخابات والصراع مع النظام كما في حالة الإخوان؟!
هل المتحمسون مستعدون للحرية الأكاديمية والسياسية والفكرية، والتي تحتمل بطبيعتها تداول وصراع الآراء والاتجاهات؟
هل لدينا تصور حقيقي لبناء مؤسسات ذات خبرات وتجارب حقيقية ومتراكمة في المجالات المختلفة ـمرة أخرىـ بعيدا عن التآكل الرسمي، وعن الغوغائية الشائعة، وفوضى المصالح والتربيطات، وبعيدا عن الاستخدام والتوظيف السياسي في المعركة مع النظام؟!!
هل لدى أزهرنا استعداد لقيام مؤسسات ومدارس تشاركه مهمة تكوين الأئمة والوعاظ كما في تركيا مثلا، أم تظل هذه المهمة الجبارة ملقاة على عاتقه وحده بلا منافس ولا سند إلا دعم الدولة المنهكة، ودعوات الصالحين أن ينفخ الله في صورته ليتجدد بما يناسب تحديات العصر؟!!
هل لدى الحركات الإسلامية في مصر استعداد أن تترك فكرة، حركة واحدة لكل المهام/ وأن تعترف هي الأخرى بالتخصص، وإمكانية أن تتجاور الحركات وتتضافر بدلا من أن تشتبك وتتناحر فتفشل، وتذهب ريحها، كما حصل ويحصل حتى الآن؟! والسؤال أهم على خلفية إطلاق معتقلي الجماعة الإسلامية والجهاد!! وهذا كله حصل ويحصل في تركيا، يعني التنوع والاختلاف هل يمكن أن نشهد حركات عاملة متعاونة قد يتقاطع عملها في ميدان ما مع جهود رسمية، أو مع جهود أهلية أخرى؟!
أم ستظل الحركات تتعامل بأسلوب وعقلية دولة مستقلة أو جزيرة معزولة تضع على كاهلها كل الأعباء، ولا تقوم منها بشيء تقريبا في ظل ملاحقات الأجهزة الأمنية وضرباتها المتوالية والغاشمة؟!
هل نحن مستعدون للحرية بمعناها الواسع؟! مستعدون للدخول الطوعي والواعي في عالم اليوم المفتوح لنتفاعل أخذا وعطاء عبر مؤسسات وجهود منظمة وحقيقية في مجتمع ناشط متفاعل وحقيقي، بناء جهود مؤسسات صناعة وإنتاج، وبحث علمي، وإبداع وتفكير، وحوار واختلاف رأي، وحرية تداول معلومات.. إلخ
أم يريدون فقط الوصول للحكم عبر صناديق الاقتراع كما وصل رجال العدالة والتنمية في تركيا؟!
بل ما هي الديمقراطية أصلا في تفكير المطالبين بنموذج العدالة والتنمية؟!
هل هي انتخابات نظيفة وصناديق شفافة، وحسب؟!!
ما هو التكوين السياسي والثقافي ومستوى معرفة العالم عند الكادر الحركي والسياسي المصري من الإسلاميين أو غيرهم مقارنة بمثيله من الأتراك في العدالة والتنمية أو غيره؟!
ما هي القدرات والمهارات التي يحملها الكادر الإعلامي المصري رسميا كان ـتبع الحكومةـ أو حزبيا، أو من يسمون اليوم بالمستقلين مقارنة بمثيله التركي؟!
وقل مثل ذلك على أستاذ الجامعة، وحتى عامل النظافة في الشارع؟!
ما تشهده تركيا ويعجب بعضه بعضنا هو نتاح وحصاد لعمليات وجهود وزراعة وتكوين عبر عقود سابقة أرجو أن يدلني أحد على بدايات مشابهة أو حتى وعي بازغ بها عند أحد ممن يفعلون على الأرض عندنا؟!
ممكن أن نبدأ فورا في عمل أشياء كثيرة لجمع وتفعيل جهود وطاقات، ولنؤسس تجربتنا وخبرتنا المحلية الخاصة، ولا أستبعد أن تكون مثل التركية، وربما أفضل إذا صح العزم، وامتلكنا الوعي، واتضح أمامنا السبيل، ويساعدنا جدا أن نفهم الخبرة التركية بجذورها وتفاصيلها.
زارتني مجموعة من الفتيات قائلات: نريد أن نفهم في السياسة وتساعدنا، فقلت لهن: على قدر خبرتي تعالين نقرأ عن تجارب بعينها، ونناقش من خلالها علاقة الدين بالمجتمع، وعلاقة الدولة بالمجتمع، وعلاقة الدين بمؤسسات الدولة وأدائها، وهل نقترح تكوين لجنة مشايخ نستشيرها في كل شأن ضمانا لعدم الخطأ في حق الشريعة!! أم أن تطبيق الشريعة لا يكون بحق إلا في مدنية الدولة وطابعها الأصيل تكوينا للأفكار والأشخاص والمناهج والنظريات منذ البداية، لا برأي المشايخ!! وقررت أنا والفتيات أن ندرس تركيا ثم إيران والسودان.
أيها المغتاظ من الأتراك، الطامح إلى نجاح على غرار نجاحهم، حاول أن تفهم تركيا وما حصل فيها بجد بدءا من أتاتورك وحتى الآن، ولا تظن أن هناك تجربة يمكن استنساخها، ولكن الفهم حتمي، إما إذا كنت تفكر على طريقة: كيف نصل للحكم كما وصلوا، فدعني أقول لك: أنت فين، والحكم فين!!
واقرأ أيضاً:
على باب الله:....... الصحراء......./ على باب الله: حي على الثقافة