في عصر ذلك اليوم كانت تحدثني مهندسة زراعية عن الإحباط الذي واجه رغباتها كعاشقة لتخصصها الزراعي، كانت من العشر الأوائل ولذلك قامت الوزارة -مشكورةً- بتعيينها وهو ما لم تحظَ به أو يحظَ به أي من زميلاتها وزملائها من غير العشرة الأوائل.... وبعد أن بدأت العمل فوجئت بأنه لا عمل! إذ لم يكن مسموحا لها أو لغيرها من النساء أو البنات المهندسات الزراعيات بالعمل.... وبينما الأرض والناس لا تفرق بين الفلاح والفلاحة كانت الإدارة تفرق بين المهندس الزراعي والمهندسة الزراعية.... وإجابة اللغز أنه ممنوع وضع النساء في أماكن التعامل مع الجمهور، ليس تدينا طبعا ولكن لأن الرجال أولى بالمنافع! والحذق يفهم!
هي في إجازة منذ سنوات ولا تفكر في الرجوع على الأقل الآن.... قلت لها: أعرف عاملين في نفس وزارتك وهم تقريبا يعملون في مكانٍ آخر في نفس الوقت بنفس ساعات العمل وعادي يقبضون مرتباتهم... وأعرف فتياتٍ تزوجن عرفيا لسنوات وكن يقابلن أزواجهن العرفيين في نفس وقت العمل.... كلهم قالوا ليس هناك أصلا عمل نروح نقعد ولا نلقط رزقنا؟؟... قالت: ولكنهم يرشون المسئول عن الحضور والانصراف.... وأنا لم ولا ولن ألجأ لمثل هذا أبدا... معنى أن أعود للعمل يا طبيبي أن أفقد قدرتي على احتواء بيتي مقابل أن أجلس من ساعات النهار الجزء الأطول بلا عمل على مكتب فارغ الأدراج!، ليس هذا فقط بل هم لا يعطون المهندسات عملا إضافيا وربما يكتبونه على الورق ويتقاسمونه فيما بينهم!..... الحقيقة أنا انفعلت جدا بيني وبيني وقلت لها: ولم لا تشتكون وأين الجهاز المركزي للمحاسبات... قالت يا دكتور عندما تشتكي رئيسك في هذا البلد يحدث قبل أي شيء أن ترسل نسخة من شكواك الموقعة باسمك إلى رئيسك في العمل، وكثيرا ما تتم تسوية الموضوع بينه وبين من اشتكيت له، ولك أن تضرب رأسك بالحائط كيف تشاء! قلت لها أظن أن الجهات الرقابية تتحرك للتفتيش بصفة دورية أليس كذلك؟ فردت -وكان ردها مفحما-... لا أحد أصبح يتحرك في مصر يا دكتور حضرتك تعيش في البلد وعارف كل المؤسسات مفرغة ولا أحد يتحرك بإخلاص.... والظاهر يا مجانين أني لا عارف ولا عايش في البلد..
وبعد صلاة العشاء في نفس اليوم كان ذلك الذي نسميه في الطب النفسي مراهق جانح أو منحرف (يكذب ويسرق ويهرب وأحيانا يضرب ويُضرب...) المهم أنه قليل الكلام بشكل كثيرا ما يستفزني... برغبته في إنهاء الجلسة لأنه يتعب بسرعة... فهو حتى الآن جانحٌ من النوع الذي نسميه:اضطراب التصرف غير المتوافق اجتماعيا Unsocialized Conduct Disorder .... طبعا أقدر مشاعره وأكمل الوقت أحيانا مع أبيه وأحيانا مع أمه.... المهم أنه طالب بمدرسة ثانوية خاصة أي مدفوعة الأجر لعدم حصوله في شهادة الإعدادية على مجموع يؤهله للثانوي العام، وسألته هل تنوي الانتظام في مدرستك؟ قال: لا قلت: ولمَ لا تحضر شرح الدروس وتحاول فهمه وتسهيل مذاكرته فيما بعد قال: ليست أصلا في المدرسة حصص دراسية هناك فقط منضدة تنس طاولة وبعض المدرسين يلعبون مع الطلبة سألته تنس طاولة فقال: نعم قلت: أنا لا أصدق فأجابني: يا دكتور خلاص أنا سأدخل لك والدي... ودخل الرجل الخبير العميق النظرة وسألته عن أخبار الولد......... ثم سألت عن مدرسته وهل فعلا ليس فيها شرح...
فأفحمني رد سيادته: يا دكتور.... لم يعد هناك فصول مدرسية فيها شرح إلا في بعض القرى... هنا في المدن الكبيرة معظم الطلبة غائبون بأعذار أو بغيرها... ويتنقلون طوال النهار بين شققٍ للدروس الخصوصية، وتؤجر شقق لغرض الاستخدام كأماكن للدروس الخصوصية في كل المدن بينما لا يجد المدرس إن وجدَ حاضرا في المدرسة من يشرح له، وأما في تلك القرى فيستغل المدرسون فصول المدرسة لإعطاء الدروس الخصوصية.... قلت: يعني يقبض راتبا من المدرسة ومن التلاميذ؟؟؟؟ طيب أليست هناك رقابة؟؟ قال: أولا في الأرياف أنا قلت وثانيا ليست هناك هيئات رقابية فاعلة أصلا لا أحد يتحرك في البلد يا دكتور! حضرتك تعيش في البد وتعرف كل حاجة... والظاهر أني لا عارف ولا عايش في البلد.....
الخميس 24/1/2008
وفي مساء الجمعة: أتأمل في أحوال الناس الظاهرة لي... وأتأمل في الخلفية النفسية لنكتة شائعة تنتهي بطلب الناس من رئيس الجمهورية أن يزيد من عددِ رجال "الضرب على القفا" على مطالع ومنازل كوبري 6 أكتوبر وهو كوبري كالعصب في حركة المرور في القاهرة..... يقولون يا ليت لو تزيدوا عدد جنود الضرب على القفا لأننا نتزاحم على الاثنين المتاحين على كل مطلع ومنزل.... أتخيل ذلك المواطن الذي يريد إنهاء ما يعطله عن طريقه بأي ثمن ولو كان دفع مائة جنيه ليطلع الكوبري ويأخذ صفعة على قفاه.... ثم مائة جنيه أخرى لينزل ومعها ضربة على القفا... هذا بالتأكيد حرامي وهو لذلك مستعد للخنوع بهذا الشكل... هذا المواطن الذي تشرحه النكتة تشريحا دقيقا يمارس أخلاق سارق السريقة كما نقول في مصر والذي يود النفاذ بسرقته..... فكم من أهل البلد أصبحوا كذلك؟ كم تعدل مائتا جنيه لمواطن مصري يقود سيارة ليصعد بها كوبري 6 أكتوبر؟؟ أو حتى كم تعدل لكل من تضطره ظروفه لصعود الكوبري وهو من عامة الناس؟؟؟ ترى كم يعدل الصفع على القفا؟؟ كم يعدل بالنسبة لأي حمار في هذا البلد قبل أن نسأل كم يعدل لأي إنسان يحترم نفسه؟؟؟؟؟ الموضوع كله نكتة أحاول تشريحها؟؟؟ ما هي يا ناس نفسية المصريين هذه الأيام؟؟؟ وكيف وصل يأسهم من أنفسهم هذا الحد؟؟ هل كلنا يجري بسرقته؟؟؟ إلى أين نحن سادرون في ولوج ورطتنا على كافة المستويات؟؟؟
أسعدني كثيرا موقف الرئيس مبارك من الأهل في غزة....... أين كانت من زمان مثل هذه المواقف؟ الحمد لله الذي فرج كربهم ولو لأجل الحمد لله، لكنني بصراحة غير مكتمل الفهم لما قد يستدعيه ذلك، وأنا الآن في هذه الليلة أبيت بعيدا عن جهاز تليفزيون يعني لن أعرف الآثار والتداعيات يجوع أهلنا في غزة؟؟؟ ليس هذا مما نقبل، ولا نطيق... لكن كيف سيؤثر ذلك؟ في الاقتصاد هل سترتفع الأسعار هل ستكونُ حقنة منعشة لاقتصاد مصر المريضة؟ هل سيسكت اليهود والأمريكان؟ أي شجاعةٍ تلك أظهرها السيد الرئيس؟ اللهم احفظ البلد... فلأنس هذا الموضوع الآن ومرحى بكل غزيٍّ وكل عربي وكل مسلم....... يا سلام على ما كان من أيام كنا نقول فيها والله عمار يا مصر.... أبيت وحيدا ولكن لدي مجانين.... صحيح لماذا لا أفتح موقع الجزيرة وأقرأ الأخبار؟؟ بصراحة متعود على سماعها قبل النوم!! وغير متأكد من أن لدي الوقت لتتبع العملية حية على الكومبيوتر! واضح أني كَسِّلت... لكن للساعة شغال في مجانين........... عندي الآن فرصة البقاء وحيدا......والتفكير في أشياء وأشياء أؤجل التفكير فيها... وعندي كذلك شغل آخر لمجانين......... وأنتظر منكم الرد على تساؤل: كم منا عارف وعايش في البلد.....؟؟؟؟
الجمعة 25/1/2008
ويتبع >>>>>: مجانين صغيرة متأملة مشاركة
واقرأ أيضًا:
رأس السنة الهجرية كل عام وأنتم بخير / التكليف عند المريض النفسي