بالتأكيد هو حكم غير تقليدي ذلك الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا، الأسبوع الماضي، بإلزام وزارة الداخلية بإثبات الديانة المسيحية بالبطاقة الشخصية للمسيحيين الذين أسلموا ثم عادوا للمسيحية مرة أخرى، وألزم الحكم أيضا الوزارة بأن تشير في البطاقة إلى أن صاحبها سبق وأن اعتنق الإسلام.
أما سبب وصفه بأنه غير تقليدي فهو أن المحكمة حاولت أن تجد حلا مبتكرا للتناقض الدستوري الشهير بين المادة الثانية من الدستور، والتي تؤكد على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر أساسي للتشريع مما يعني عدم جواز "ارتداد" من أسلم إلى دينه الأصلي، وبين المادة الأولى منه والتي تؤكد على قيمة المواطنة، والمادة 40 والتي تنص على أن "المواطنون لدى القانون سواء"، وكذلك المادة 46 التي تلزم الدولة بأن تكفل حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية لجميع المواطنين، وهي المواد التي تعني، في مجملها، أنه يجب إتاحة مبدأ التحول من دين إلى دين، وأن تكون إمكانية هذا التحول متاحة لكل المواطنين، ومن أي دين إلى أي دين.
ولأنه حكم غير تقليدي فلا يمكن أن يمر دون تأمله، ولنأخذ مثلا تلك الفقرة التي بمقتضاها أسست المحكمة حكمها وهي الفقرة التي تقول "أن مقتضيات الدولة الحديثة تستوجب أن يكون لكل مواطن وثيقة تثبت حالته المدنية بما فيها بيان الديانة التي تتحدد على ضوئها حقوقه وواجباته المدنية والشخصية ومركزة القانوني"، والسؤال الآن: إذا كان من الصحيح أن مقتضيات الدولة الحديثة تستوجب أن يكون لكل مواطن وثيقة تثبت حالته المدنية (ولاحظوا تعبير المدنية) فهل بالفعل يعتبر وجود بيانات الديانة في هذه الوثيقة من البنود الأساسية التي تستوجبها مقتضيات الدولة الحديثة!؟
إن ما نعرفه عن الدول الحديثة –أي "المدنية"- هو أن ما تصدره من بطاقات شخصية لا تحتوي على خانة للديانة من الأساس، وذلك لأنه من المفترض أن ديانة الشخص –في الدولة الحديثة "المدنية"- "لا يتحدد على ضوئها حقوقه وواجباته المدنية والشخصية ومركزه القانوني"، وهو عكس ما ذهب إليه الحكم. بل إن الملفت للانتباه هو أن الحكم توسع -بشكل غير مسبوق– في إعطاء ديانة الشخص دورا أساسيا في تحديد حقوقه وواجباته ومركزه القانوني وذلك حينما ألزم وزارة الداخلية بأن تشير في البطاقة الشخصية للعائد إلى المسيحية إلى أنه سبق وأن اعتنق الإسلام، وهو ما يعني أن حقوق وواجبات الشخص ومركزه القانوني لم يعودوا مرهونين فقط بحالته الدينية الحالية ولكن أيضا بكل ما طرأ على عقيدته من تحولات في الماضي، وكذا فبينما تقوم الدول الحديثة "المدنية" بإلغاء خانة الديانة من وثائقها حرصا على عدم التفريق بين المواطنين على أساس الدين لم نكتف نحن فقط بالإبقاء على خانة للديانة بل طورناها لتصبح خانة للتاريخ الديني للمواطن!!
نشرت بجريدة المال الأحد 17-2-2008
واقرأ أيضاً:
مؤتمر الكفار المسلمون/ شوية غازات / أجيبوا.. يرحمكم الله!