بلغني أن أعلى نسبة انتحار في كندا هي في يوم عيد الفالنتين!!
الحب يمر بأزمة عالمية ويتعثر ويندثر، وتتغير معاييره وتفاصيله، وأصابه الكثير من سموم الاستهلاكية والمادية والإباحية والإتاحية والكتب والتعصب، وتحدي الطبيعة الإنسانية بأفكار وممارسات شاذة تنتعش وتتقوى وتتغذى بروافد ومصادر أهمها غياب الحب!!
وهكذا ينتحرون حين يأتي اليوم الذي يجدون فيه أنفسهم بلا حبيب!!
قلت للمشاهدين أن السؤال المطروح مع كل فالنتين هو هل هذا الاحتفال حلال أم حرام؟!
وفقهاء الجزيرة العربية بعضهم حرم بيع وتداول الزهور الحمراء في هذا اليوم، وكأنها هي السبب، وكأن هذا المنع والتحريم حلا!!
وجاءتني مكالمة بعد الفالنتين بيومين تصف الحالة الغرامية، وحفلات الفالنتين هناك داخل المجتمعات السكنية، والخروج على كل الأعراف والتقاليد والقيم، وأنهار الخمر، وتشابك العلاقات بين الجنسين دون الاهتمام بمعايير الحلال والحرام!!
أفواج تخرج تلو أفواج من القماقم وتتمرد على الأوضاع التي صاغها أصحاب عقلية تحريم الزهور الحمراء الذين أصابوا الناس بعصاب ووسواس الفتنة والشيطان والحرام في كل شهيق وزفير وفكرة أو حركة أو سكنة فأطعموا النيران تحت الرماد، وخلقوا عشرات الفتن، وأخرجوا الناس من دين الله أفواجا حين قدموه لهم قمقما صخريا لا تنفس ولا إنسانية، ولا تنوع ولا حرية!!!
مبروك عليهم وعلينا!!!
منزلة الحب في مقاصد الإسلام وفلسفته وتصوره للإنسان والحياة تكاد تضيع، والحب في حياتنا كمسلمين متهم ومحاصر، رغم أصله في النفوس واحد، وهو التعلق بموجود واتجاه المشاعر إليه، ومستقبلات الحب وطقوسه وتفاصيله، وتضاريسه وخرائطه وخبراته تتم مصادرتها أولا بأول في الأسرة ثم في الدوائر الأوسع!!
الحب عندنا إما ساذج لا لون له ولا طعم ولا رائحة، أملس لزج لا قوام له، ولا حرارة مثل حبنا لأهلنا أو أوطاننا، نتصوره موجودا بالفطرة والطبيعة لا مكتسبا بالتدريب والتفاعل، والبذل المتبادل والإجراءات، أو أن الحب عندنا هو عالم كامل من الأغاني التي تتكفل برسم عالم وهمي وردي لذيذ، وتبني مهربا وملاذا وتصورا سهلا ونقيا للحبيب أو الحبيبة أو الحب!!
الرومانسية عندنا صارت دفاترَ وزهورا حمراء (بالعند في المشايخ)، أو أغنية على المسجل الديجيتال، ودباديب تحملها البنات، أو رنة محمول أو صورة على الديسك توب!!
لقاء الولد والبنت إما محرم ومطارد، أو مباح سداح مداح!!
وكلاهما ينعش الشذوذ الجنسي مرة بالكبت وأخرى بالملل من فرط الإتاحة، ولا أحد يتصدى لإنقاذ الحب الذي يحتضر على قارعة الطريق، ووسط المزابل، وعلى النواصي مثل اللقطاء!! حسبي الله ونعم الوكيل فيمن وضعوا الإيمان بالله وإسلام الوجه له ضد الحب والمحبين، وقيمة الحب في القرآن مرتبطة بالإيمان، ولا إيمان دون حب، ودون ضبط وتوازن في معادلة الحب!!
وكان القوم لا يرون إلا الزواج للمحبين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نتخبط خلطا بين أصل الحب وسخافة ما يشيع لدينا من صوره وتجلياته الساذجة المنهكة الخرقاء التي أفلتت من القيود والسدود ووصلتنا مسخا مشوها لا يصمد مثل أي مسخ مشوه، أو جنين هجين بين بشر وحيوان، سرعان ما يموت!!
الحب نفسه مشوه في العقول والنفوس ثم العلاقة المشوشة والمشوهة بين الحب والجنس، بين الحب والزواج، بين الحب والكراهية والتطلعات المادية ومشاعر الذنب وارتباط الحب بصور ومعاني ورأسمالية تنتج سلعا وتريد أن تبيع في الفالنتين وغيره (أعلى مستوى مبيعات في أوربا وأمريكا وكندا هو في يوم الفاللنتين!!!) الحب الذي تحوَّل إلى هدايا ورنات، وأغاني وكلمات، أو مطالب مرهقة، وقوانين صارمة لزواج في مجتمعات معادية للحب من أول لحظة الميلاد!!
إعدام المشاعر وتحريم كل شيء يمكن أن يقترن ببهجة الحياة، ثم التمرد على هذا واستهلاك المتاح من قمامة الإنتاج السلعي والفني والأدبي ظنا بأن هذا هو الفن أو الأدب أو رومانسية الدباديب!!
الحب يختنق ويموت بالزواج على طريقتنا وسط المطالب والأشياء، والتخوين المتبادل، والصفقات والمعارك!!
ويتم الزواج دون علاقة تنشأ وتتدرج بين اثنين ضمن محددات وأصول وقيم ومسافات ومساحات، الإسلام وحده هو الذي يتيح رومانسية تبقى، وحبا ينمو ويزدهر، لكن ما العمل وهذا الإسلام غريب وغائب وغير مفهوم، ويروج بدلا منه إسلامات تايواني مغشوشة أفسدت على الناس دنياهم ودينهم!!
كنت أتحدث عن الزواج في ندوة وسمعت زفرة من المنصة تقول: رحم الله الحب!!!
قلت للمشاهدين: "ليس منا من بات شبعان وجاره جائع"
هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقصد فقط جوع الطعام؟!!
ويتبع >>>>>: على باب الله: كلام في الحب مشاركة
واقرأ أيضاً:
على باب الله: من النقد إلى البناء/ على باب الله: شهر الرسول 1 مارس 2008