تاراباتاتووه (14): الشتاء
سكر نبات
لأول مرة أقرر أن أذهب لأشاهد فيلماً وأنا بكامل قوايَ العقلية ولعل اسمه هو ما قادني لهذا القرار الجديد علي فأنا أهتم منذ سنوات بأمور الفتيات ومشكلاتهن وأحاول جاهدة أن أضع خطوطاً رئيسية لحلول أحسبها مفيدة وواقعية.
وهو فيلم يحكي قصة أربع فتيات يجسدن معظم المشكلات التي تمر بها الفتاة والسيدة المتزوجة وغير المتزوجة، فالأولى تقع تحت سطوة الحب من رجل متزوج وتظل تعطي لهذا الحب كل ما آتت من قوة وتقاوم من أجل الزواج به كل من يتقدم لها، وكل تساؤلات الأسرة وكذلك شاب يسكن بجانبها يحبها بصدق؛ والأهم من ذلك أنها تقاوم إصراره على الاحتفاظ بزوجته الرائعة! للدرجة التي تجعلها تقرر أن تذهب إلى منزل الزوجة لتتعرف عليها عن قرب وتكون المفاجأة المذهلة بأنها فعلاً سيدة رائعة تفعل لزوجها كل ما يتمناه الزوج من قرب واهتمام واحتواء!! بل وتتعجب أنها حينما ذهبت إليها مرة في عيد ميلاده وجدتها فعلت له مثلما فعلت هي بالضبط! فتقف مع نفسها متسائلة ماذا يريد منها هذا الزوج؟ ولماذا يريد أن تكون هي في حياته؟ وتكون الإجابة المدوية وهي أنه يتسلى أو مجرد حالة "زهق" أو "أزمة منتصف العمر" وتتألم كثيراً لكنها تتعلم الدرس جيداً وتنتبه للشاب الذي يحبها.
الثانية فتاة أحبت شاباً ويحبها هو أيضاً ولكنه لا يعجبه بعض تصرفاتها في الملبس والإكسسوارات والضحكات وما تتصوره هي طبيعي وحرية شخصية ولكن حبها له يجعلها تحترم رغباته في تعديل سلوكها؛ ولكنها وقعت في مأزق شديد وهو كيف ستواجه محبوبها بأنها ليست عذراء!!! فتفكر كثيراً وتعلم أنها تابت عما حدث وتريد الاحتفاظ بأمل أخير في حياتها لتكون إنسانة أخرى فتقرر القيام بعملية لمعالجة الأمر لتستقر مع حياتها الجديدة وتتزوجه بالفعل.
الثالثة تتسم بالتصرفات الذكورية فلا أنوثة في ملبسها ولا حديثها ولا اهتماماتها تعيش مع نفسها عالما خاصا تنسج خيوطه بما تحب وتهوى ويشير الفيلم دون صراحة لوجود بعض الميول لبنات جنسها دون تصريح!
الرابعة متزوجة وكانت من قبل فنانة مشهورة ولكن لكبر سنها تغيرت أحوالها ولم يعد أحد يقترح عليها أدواراً ووقعت فريسة الصراع للاحتفاظ بجمالها ونضارتها بشكل محموم وبالطبع تتكالب وراء كل جديد في عالم الماكياج لمحاولة إعادة ما محاه الزمن من نضارة وجمال للدرجة التي تجعلها تتعايش مع الفتيات الصغيرات حتى لا تشعر بذبولها مما يجعلها في مرة من المرات تدخل أحد الحمامات النسائية وسط جمع الفتيات المنتظرات لتطلب سرعة الدخول لأنها تفاجأت بقدوم الدورة الشهرية على غير ميعاد!!
وفي الفيلم يوجد سيدتان عجوزان جداً إحداهما تعمل خياطة والأخرى ذهب العمر الطويل بعقلها مع احتفاظها ببعض الحكمة القوية جدا في أوقات الاحتياج إليها! أما الخياطة فتتعرف على رجل رصين من عمرها وتبدأ في محاسبة نفسها على ما بدا عليها من تغير داخلي احتراما لسنها، وحين تقرر أن من حقها أن تحيا مادام هو إنسانا جيدا ويناسبها في سنها تتراجع في اللحظة الأخيرة محترمة مسئوليتها تجاه أختها العجوز صاحبة الشطحات وخريف عمرها!
إذن يتحدث الفيلم عن أشهر المشكلات الخاصة بالمرأة سواء فتاة أو سيدة متزوجة أو غير متزوجة كالصراع المحموم للاحتفاظ بالجمال الأنثوي ومشكلاته النفسية عند ذبوله وقصص الحب التي لا تكتمل والشذوذ الجنسي والتعامل مع مشكلة فقد العذرية، وليست تلك المشكلات جديدة تماما على السينما ولكن تناولها بتفاصيل أكثر كان هو الجديد بتقديم تفاصيل محرجة ومشاهد محرجة وان كانت واقعية جدا مما جعل عرضه في مصر يسبقه لافتة "للكبار فقط" ونحن الدولة الوحيدة التي أصرت على كتابة تلك العبارة عند عرض الفيلم.
على هامش الفيلم أرى معاني مهمة منها أنه فيلم لبناني من حيث المكان واللغة لم يتكبد ممثلوه أن يتحدثوا لغة أخرى لتسويقه والعجيب أنه نجح نجاحاً مبهرا وحصد جوائز عالمية من فرنسا وغيرها من الدول الأجنبية والعربية ثقيلة الوزن بالإضافة إلى أن إحدى فنانيه كانت المؤلفة والممثلة الرئيسية والمخرجة لأول مرة وهي "نادين لبكي" وكذلك كلهن مسيحيات ولم يخلُ الفيلم من التنويه إلى بعض الطقوس الخاصة بالمسيحية وترانيمها ولكنها كانت في سياقها الطبيعي وهذا جديد على شاشات العرض المصرية بتلك البساطة والوضوح- لعلها خلفية لمعانٍ يمكن استنتاجها بعمق أكبر- ترى هل تقديم الفيلم العربي بهذا السياق وهذه التفاصيل بشرى خير أم ريح منذرة؟
وكذلك فيه إشارة خفية للفارق بين الجيل الجديد والقديم فالجيل القديم لا يقوى على التغيير رغم اقتناعه بالتغيير وسرعة أدائه في التغيير إذا حدث تكون ثقيلة جدا، على عكس الجيل الجديد، فرغم أخطائه إلا أنه يملك روح التغيير للأفضل ومواجهة مشكلاته بشكل أسرع.
الفيلم جريء ليس لطرحه مشكلات جريئة ولكن جرأته كانت في تفاصيل تناولها الفيلم بجرأة عجيبة!.
ويتبع >>>>: تاراباتاتووووه (16) حفل زفافي
واقرأ أيضًا:
يوميات مجنونة صايمة مقدمة / من أنت؟