قالها منذ أكثر من خمسين عاما الأديب العظيم يحي حقي في مجموعته القصصية الرائعة "قنديل أم هاشم" "ربيع مصر هو خريفها". فقد تعودنا في كل ربيع على تقلبات المناخ والتراب رغم أن القاهرة متربة من الأصل والخضار فيها شحيح ولولا شاطئ النيل لما وجد المواطن البسيط متنفسا ومع ذلك يأكلون من شاطئه حتة حتة إشي أندية ظباط وقضاة وإعلاميين وغيره وكأنهم يسعون لإخراجنا منها بكل السبل.
خلينا نرجع للربيع لكي أعترف لكم بأن قلبي سعيد رغم كل المعكرات والأزمة المرورية الطاحنة التي تهدم طموحات أهل المحروسة في أي إصلاح ديمقراطي أو رغيف عيش نظيف أو انتخابات نظيفة أو هدوء وروقان بال فكل همنا هذه الأيام في القاهرة هو أن تتحرك سياراتنا في شوارع مكتظة بالسيارات والعربات المركونة أربعة صفوف على جانبي الطريق دون حسيب أو رقيب وكأن العطلة مقصودة شأنها شأن سياسات الإفقار والغلاء والفساد وتخريب التعليم حتى أصبحت موقنة بأن هذا الوطن بكامله يحتاج للذهاب إلى محل التنظيف الجاف فالبرسيل والإيريال لم تعد كافية فهو بحاجة إلى أحماض ومواد كاوية ومزيلات قوية للبقع والوسخ.
رغم كل هذه القناعات والأفكار فإني أعترف مرة أخرى بأن قلبي سعيد مع قدوم الربيع. وهذا إثبات عملي للنظريات القائلة بأن الحديقة داخلك وأن الكنز ينبع من جواك. فكم مرت علي أيام وأنا أروق بالا وأكثر يأسا ومللا، غير راغبة في الحياة.
ولكن كيف تنمي الكنز داخلك والطريقة بالنسبة لي كانت المعاناة والضيق من الحياة بحثا عن معنى جديد وكلما زاد المترصدون أوليت ظهري وصفيت حساباتي مع نفسي بمشرط النقد الذاتي اليومي والتطهر. فتصفية الحسابات مع الذات هي السبيل لخلاص الروح. ده لو لسه فيك روح. ولكن أكثر ما يسعدني هو أنني لا تنطبق على رباعية الحبيب صلاح جاهين "طال انتظاري للربيع يرجع/ والجو يدفا والزهور تطلع/عاد الربيع عارم عرمرم شباب/ إيه إللي خلاني ابتديت أفزع؟" فقد طال انتظاري للربيع وأنا أهلٌ له.
اقرأ أيضاً:
وخرجت حيرتي أشد مما دخلت/ كيف تكون شريفا في مجتمع فاسد؟