لا أدري سر الانتشار الواسع للفيلم الذي أثار جدلاً كثير على الفضائيات خلال الأيام القليلة الماضية، والحقيقة أن جدلاً ولغطاً كثيراً أثيرا حول هذا الفيلم ورقابة توقفت كثيراً أمامه ووافقت على عرضه بعد 4 سنوات من تجميده، وبعد مناقشات مطولة وبعد وضع عبارة "للكبار فقط" عليه شرطاً لعرضه، وجلسة للجنة مشكلة من نقاد مسلمين ومسيحيين للحكم عليه هل يسيء للمسيحيين أم لا. ثم خرج للجمهور في يونيو 2004 مثيراً صدمة بين الجماهير خاصة المسيحية منها.
فالفيلم يعرض لحياة أسرة مسيحية عاشت في شبرا أحد أعرق وأشهر الأحياء المصرية والذي يضم أكبر تواجد للمسيحيين بمصر خلال الستينيات. وما أثار حفيظة عدد لا بأس به من مسيحيي مصر خاصة من الشباب الذي تجمهر أمام الكاتدرائية المرقصية بالعباسية وهتف ضد الفيلم، أن مؤلفه هاني فوزي يعرض لعلاقة شديدة الحساسية قلما نعرض لها في أفلامنا العربية وهي علاقة الإنسان بالله، وعلاقة الإنسان بالسلطة من ناحية أخرى، فهو يعرض رب الأسرة (عدلي) والذي قام ببطولته باقتدار محمود حميدة شخصية شديدة التطرف، فهو يعبد الله ويصلي ويتصدق ويساعد الطلبة الفقراء من جيبه خوفاً من الله فهو لا يحبه بل فقط يخافه، وهو ما تجسد في مشهد على لسان عدلي متوجهاً للسماء: (أنا عمري ما حبيتك.. أنا نفسي أحبك كأنك أبويا). وهو المشهد الذي يعتبر خلاصة وأهم مشاهد الفيلم على الإطلاق.
ويتطرف عدلي أكثر بتحريمه الفن والسينما إطلاقاً في حين يطالبه ابنه الصغير نعيم بالذهاب للسينما باستمرار، كما يصل به الأمر للاعتقاد أن الغرض من علاقته الجنسية بزوجته نعمات (ليلى علوي) هو الإنجاب، وأنه لا داع لاستمرارها بعد إنجابهما طفلين فعلاً. مما يدفع به إلى تحول العلاقة الحميمية بينهما إلى مجرد أداء واجب وإهمال متعمد من جانبه، مما أدى بنعمات بطريق غير مباشر إلى خيانة زوجها! وهو أكثر ما أثار من ثار من مسيحي مصر ضد الفيلم، ودفع بالمحامي المسيحي الشهير ممدوح نخلة برفع قضية لوقف عرض الفيلم، ولا أدرى ماذا يمكن أن يكون عليه رد فعله لو كان المؤلف والمنتج والمخرج مسلمين!
ولعل النقد الموجه لمشهد تقبيل إدوارد لمنة شلبي في برج الكنيسة في محله تماماً، فعلاوة على عدم منطقيته فهو مشهد مستفز فعلاً لأي صاحب دين، وإن كتبت بثينة كامل تروي أن فتاة مسيحية روت لها موقفاً مشابهاً وقع فعلاً، إلا أنه حتى مع إمكانية حدوث المشهد في الواقع، فليس من اللائق تمثيله وعرضه في فيلم سينمائي.كما كان مشهد التعارك في الفرح في الكنيسة مبالغاً فيه، وكذلك مشهد العزاء.
والحقيقة أنه كما يوجد مسيحيون لديهم هذا الفهم القاصر للدين وهذه العلاقة المبتورة بالله، فإن كثيراً من المسلمين لديهم نفس الفهم المشوش، والأسرة التي نسج الفيلم حولها الأحداث كان يمكن جداً أن تكون مسلمة فالعلاقات الإنسانية في الفيلم وطبيعتها لا علاقة بكون الأبطال مسيحيون.ولو طبقنا نفس المنطق فيمكننا أن ندعي أن فيلم اللمبي مثلاً يسيء للمسلمين باعتبار أن شخصية اللمبي مسلمة!
وعودة للفيلم الثالث لمخرجه أسامة فوزي فأفضل ما فعله هو استخراج منطقة مشاعر وتعبيرات جديدة من محمود حميدة واستطاع توظيف الطفل يوسف عثمان بشكل ممتاز للقيام بدور الطفل المحب للسينما، ولكنني أرى أنه سقط بعد تجربته الأخيرة الرائعة "جنة الشياطين"، فمشاهد جنسية كثيرة كان يمكن الاستغناء عنها دون الإخلال بدراما الفيلم، وجاء التصوير خالياً من أي لمسات فنية حقيقية، وإن عبر الديكور عن الفترة الزمنية للفيلم، وجاءت الموسيقى رقيقة متناسبة مع المشاعر التي حفل بها الفيلم.
بحب السيما فيلم أثيرت ضجة عارمة حوله ربما لأنه كان صادماً في عرض نماذج مسيحية سلبية لأول مرة في السينما المصرية، والحقيقة أنني توقعت من مخرج مثل أسامة فوزي أن يمتعنا بشريط سينمائي ممتع كما فعل في جنة الشياطين الذي أعتبره أفضل أعماله حتى الآن، ولكن يبدو أن الضجة التي أثيرت حول الفيلم أضرت به أكثر مما نفعته فكان التوقع يفوق الواقع فعلاً. ولكن يبقي للفيلم أنه خاض في منطقة جديدة تقريباً علينا.
واقرأ أيضًا:
يوميات ولاء: حتى مسح الجزمة / حاجة وتلاتين مشاركة/ الناس جاعت