المشكلة الأم / الأكبر، أو أم المشاكل هي طريقتنا في التعامل مع المشاكل!!
والمسألة هنا تحتاج إلى تأمل عميق فاحص متمهل.
فكرت يوما في أنه إذا كان هناك تفكير منظم ومنهجي يستطيع تفكيك المشكلة ـأي مشكلةـ والنظر فيها بتحليل أسبابها، ورصد تشابكاتها، واستكشاف جذورها، والاقتراب من معالجتها حتى تزول، فإن هناك أيضا تفكير ينتج المشكلات ولا يحلها، فهو ماهر في التعقيد، ويعشق الالتباسات والغموض، ولا يبحث عن أدلة أو قرائن، ولا إثباتات بل تراه معوجا تائها في دهاليز وسراديب، يلفُّ ويدور، ويتعثرُ ويترنحُ، ويَتَشَوَّشُ فلا سبيل ولا أمل، ولا صباح طالما شمس الحقيقة مخنوقةٌ وراء غيوم الغباء!!
ونمط تفكير ثالث يحتفظ بالمشكلات وربما يضاعفها ويفاقمها، ولا يستطيع الحياة بغيرها، تقابله المشكلات فلا يشعر بها، أو هو يبحث عن المزيد ليستيقظ في الصباح على عالم مستقر من الأزمات التي يتعايش معها، وكأنها الأصدقاء والندماء!!
في النمط الثاني والثالث نعيش أغلبنا إدمان التعايش مع المشكلات، بل عدم إدراكها أو اكتشافها من الأصل، ناهيك عن التفكير في حلها أو مواجهتها أو تحليلها "لا قدر الله"!!
وتتداخل وتتضافر مع هذه الأنماط السعيدة ترسانة من الآليات التي تزيد الطين بلة، فمن خالطٍ بين المشكلات المؤسسة على غباءٍ وتخلفٍ وتقصيرٍ وإهمالٍ وسوء تدبيرٍ وانغلاق ذهنٍ وبين أقدارِ الله سبحانه النافذة التي نواجهها بالصبر والدعاء، بدلا من اكتشاف مشكلة شخصية أو في العلاقة الزوجية أو في الإدارة السياسية، بدلا من هذا ننخرط مثل الدراويش في حفلات الصبر والسلوان لأننا "مؤمنون" "ومحتسبون" ونتحمل، بدلا من أن نفهم ونجتهد ونحلل ونتعاون ونتجاوز!!
ولا غرابة عندئذ أن يربط البعض بين الإيمان والالتزام والبلاهة والهبل!!
لأنه بدلا من التغيير بالتالي نظل في مربع الاجترار، ودوائر المراوحة بين الصبر الخاطئ ونفاذه.
نحاول ونواجه فهم العالم ولكن عبر مجموعة من القوالب الجاهزة الخرقاء، فنرى الأشياء بيضاء ناصعة أو سوداء حالكة، والحياة ليست كذلك قطعا، وفي انحيازنا للأبيض الناصع ـكما نتخيلهـ نخطئ وننافق ونكذب، أو ننعزل، ولا يجد الآخرون غير أن يكذبوا معنا وعلينا لنعيش جميعا في هذا المناخ الخانق!!
فسطاط الخير وفسطاط الشر، شهداء أو خونة، ملائكة أو شياطين!!
عالم سهل وأحكام صارمة سريعة!!
مئات الأمثلة يمكن أن تؤكد هذا التحليل، يمكن أن ترسم صورة الانشطار والاستقطاب والتعصب للخرافات والتخاريف التي ترى العالم فسطاطين أو البشر مجرد صنفين، أو إمكانية وجود ملائكة، أو عالم ملائكي أبطاله بشر، أو الردة عن طفولية التصورات السطحية الساذجة إلى كمد توهم فساد الخلق والعالم، وتعلق الأشواق بموت شريف لأن الحياة كلها دنس!!! يا رب رحمتك.
زوجة تشتكي من زوجها وغضبه وقسوته: هو كيف يرى نفسه؟! وهي كم صبرت وكيف تعاملت؟! وما هي الاختيارات المتاحة الآن؟!
هو يرى نفسه عاديا مثل كل رجل حيث القسوة جزء من هوية الذكر عندنا كما نربيه ونمتدحه!!
وهي تحملت وصبرت وتغاضت، ثم اعترضت، ثم فاض بها فذهبت تلتمس بعض الترطيب في الفضاء الإلكتروني!! ثم ندمت وتريد فراقا!!
والاختيارات كما تتصورها هي إما الطلاق أو استمرار الشقاء!! وهو لا يرى مشكلة من الأصل، فهو يقسو صباحا، ثم يلاطفها ساعة!! قبل كل معاشرة، ولكن النساء عندنا صرن يطمعن في أكثر من ذلك، للأسف!!!
كيف يمكن أن نقنع مثل هذا الرجل القاسي بأنه مسكين ومتخلف لا يعرف كيف يعامل النساء؟!
ومن أين له يعرف في مثل مجتمعاتنا السعيدة؟!
كيف أقنع ملايين الرجال عندنا أنهم محض "حمير"، وربما الحمير أفضل منهم، إذا كنا نتكلم في شأن العاطفة والحب والذكاء الاجتماعي والزوجي؟!
كيف يمكن تنظيف ركام القاذورات التي وضعتها أمهاتهم ثم المدرسة والمجتمع في أذهانهم عن المرأة وعن الحب وعن الزواج وعن الحياة؟!
وكيف أقنع النساء العربيات بأنهن جاهلات بشكل فادح، وأنهن يعتقدن غير ذلك، وحين يكون الكلام عن الرجل العربي ومفاتحه ومداخله وتغييره فإن ما يجهلنه أضعاف ما يتصورنه أو يعلمنه؟
كيف يدرك الأشاوس من رجالنا أن لديهم عدة مشكلات في فهم الحياة، وخرائط المشاعر، وحنان التربية، وخطط تكوين أسرة سعيدة مستقرة؟!
وهذه أمثلة لمشكلات غير مدركة!! وكيف تتقبل امرأة النقد من رجل، وتبدأ في ملاحظة تخبطها وترددها، وتناقض ما تعتقده وما تتصوره أو تريده؟!!
وكيف أقنع الجميع أن للمشكلات حلول؟
كيف نخرج من حروب بلا فائدة، وتقسيمات خرقاء ساذجة ترى المشكلة في الرجال أو في النساء كجنس؟! ولا ترى المشكلة في الجهل المركب والقصور والتخبط ونقص الخبرات وتشوه الإدراكات للذات وللآخرين وللعالم من حولنا؟!!
يا رب هل للبلاهة من دواء؟! التوصيف الخاطئ مدمر فهل للحماقة من علاج؟! هل يوجد ترياق لسموم تجري في دمائنا منذ الميلاد، وتجعلنا أضل من الأنعام، أو كمثل الحمار يحمل أسفارا، أو تعمى عيوننا عن رؤية المشكلات، أو تصيبنا بالشلل إذا ما تعلق الأمر بوصف العلاجات الممكنة، أو حتى تشخيصها، أعني الأمراض، بشكل صائب يتجاوز التعميم والتجاهل والتعامي أو التسطيح أو الاختصار المخل!!!
كيف ننطلق جميعا من بديهية نحفظها ونرددها، عند اللزوم فقط، وهي أنه لا تخلو حياة من مشكلات، ولا يخلو إنسان من عيوب، ويبدأ أكل واحد في استكشاف ذاته وعيوبه جيدا مستمعا إلى ملاحظات الآخرين، ومراقبا لنفسه، محاسبا بنفسه، باذلا للجهد في التعرف على نفسه!!
فاحصا بدقة لأخطائه وأيامه وقدراته!!
وكيف نكف أيضا عن اجترار الكلام في المشكلات لصالح وضع خطط ممكنة لمواجهتها فرديا وجماعيا؟!
يا رب نفهم!!
واقرأ أيضاً:
على باب الله: شهر الرسول 1 مارس 2008/ على باب الله: إليسا