عِتْبِت عَالوقت قال لي الوقت: إيهْ مَالكْ
عمّال بتبكِي من الأيامْ، إيهْ مَالكْ
اللي جرالَكْ يكون في الأصل إهْمالَكْ
* * *
عِتْبِت عَ الوقْت قال لي الوقت: وأنا مالي
أنا كل ما أعطيك تفضِّي الجيب، وأنا مالي
أعمل لنفسك "قانون" وي بَطّل إهْمَالَكْ
"وأنا مالي" في الشطر قبل الأخير تعني: أنا أملأ، قرأتها أعطيك قروضاً، (داخلية أو خارجية... الخ).
هل هذا الموال يحتاج إلى تعليق؟ متى ابتدعه الوعي الشعبي؟ وهو لم يكن يعرف لا: د.نظيف ولا أحمد عز، ولا د. بطرس غالي؟ متى سُجل؟ كيف حفظه الزمن؟ كم من الوزراء يعرفونه؟ وهل إذا عرفوه سوف يعيدون النظر في أخذ القروض، وتفضية جيوب خزانة الدولة؟ (لأن جيوب الناس لا تحتاج إلى تفضية!)
القانون الذي توصي به نهاية الموال ليس هو قانون الطوارئ، ولا قانون مكافحة الإرهاب، ولا قانون تنظيم الفضائيات، لأن حقبة تاريخ ظهور المّوال لم تكن بحاجة إلى كل هذه القوانين...... وبعد؛
حين قدمت أطروحتي في ندوة اللغة في المجلس الأعلى للثقافة لجنة الثقافة العلمية، كانت بعنوان "حركية اللغة بين الشعر والشارع" وكان التساؤل جاهزاً عن علاقة الشعر, بالشارع، باللغة في تطورها وتدهورها، قد يكون سهلاً أن نشرح كيف يحرك الشعر اللغة فيحييها، ولكن إيش دخل الشارع في حركية اللغة، فما بالك بحركية السياسة؟
زادت دهشة حضور الندوة بعد أن بدأت التقديم، وقرأت على وجوه الحضور قدراً ليس قليلاً من الرفض والحذر وأنا أتكلم عن الشارع "الآن"، وبالذات عن اللغة الشبابية، وأكاد أدافع عنها (لاحظ أننا في المجلس الأعلى للثقافة شخصياً).
في تعتعة سابقة قلت إنني تعلمت السياسة من على المصْطَبة (وليس "المضبطة" كما صححوها لي، الله يسامحهم)، السياسة مثل اللغة، يبدأ حراكها من القهوة، ومن الغرزة، ومن السويقة، ومن الشارع، ومن المدرجات، ومن الملاعب، ومن الطوابير، ومن داخل قطارات الدرجة الثالثة بالذات، السياسة مثل اللغة كائن حي، هي ليست طلبات توصيل المنازل (ديلفري) تأتى ساخنة، ولا هي بناء "سابق التجهيز"، علينا أن نستورد وحداته "على التشطيب" من البنك الدولي أو الكونجرس الأمريكي.
اللغة الشبابية التي يرفضها الصفوة حتى قبل أن يستمعوا إليها، وقبل أن يتأملوا معنى ظهورها، تقابل المثل العامي قديماً، وربما تقوم بدوره، تماماً مثل هذا الموّال الذي بدأنا به التعتعة اليوم، الشعر يحفز حركية اللغة بتشكيل سياق تدب فيه دلالات الألفاظ بشكل جديد، فتحيي الموتى، وتبعث الحياة، الشارع كذلك يخلّق اللغة تخليقاً، هكذا بدأ الشباب في الشارع بالنسبة للغة، فهل تمتد الموجة السياسة؟
ضبطتُّ نفسي متلبساً بوصف موت اللغة في شعر عاميّ قديم حين قلت
اللّفظ ماتْ مِن ركْنِته
من لعبة العسكر وطول تخبيّتُهْ
ظرف رصاص فاضي مِصَدّي فْ علبتُه
لما القلم سنّه اتقصف
عَمَلْتُه تلبيسهْ تمكِّن مسْكِتُهْ
واهي شخبطَهْ
هي ليست شخبطة تماماً هي لغة جديدة، بدأها الشباب، وعلينا أن نفهم مغزى ظهورها إذا كنا نريد أن نحافظ على حيوية لغتنا، ويبدو أن هذا هو ما أملتُ فيه من قديم حين قلت في نهاية القصيدة المقدمة:
اللفظ قام رقدته
ربك كريم ينفخ في صورته ومعنِتُه
يرجع يغنى الطير على فروع الشجر... (الخ "أغوار النفس")
هذا الطير ربما يكون الشاعر، وربما يكون الشارع.
التدهور الذي يلحق باللغة القائمة يتمادى حين تعجز الأبجدية القديمة (القائمة) عن استيعاب الحاجات الحاضرة، وحين يتزايد الاغتراب السلبي، ويتفكك المجتمع، وتزيد الشرذمة الإعلامية والكليّباتية، فتظهر اللغة الجديدة، هل ينطبق ذلك على السياسة؟ يا ليت!!
الشعر –بمعناه الأوسع– نشأ في الشارع قبل أن يكتب أو ينشر أو يلحن، الشعر من أهم معالم الحضارة الشفهية (أصل اللغة) الملاحم بتاريخها التليد هي وليدة الشارع أيضاً (وهى شعر كذلك)، الأساطير –وهى شعر آخر- هي عمق نبض شارع التاريخ بامتدادها الأسطوري، الأمثال العامية، بما فيها من نقد وتعرية وحكمة، هي كاريكاتير مجسم، أو شعر مكثف!.
اللغة الشبابية تشير إلى مثل ذلك.
ومن هنا السياسة!!
كيف؟ هذا ما سوف نراه معا لاحقا.
نشرت في الدستور بتاريخ 2-4-2008
ويتبع >>>>>: يومية العتاب على الشعب (2 من 3)
واقرأ أيضا:
السياسة ولغة الشارع: .. فى الهرْدَبِيزْ (3 من 3) / تخثُّر الوعي الوطني (والثقافة)