أرسلت نوران (41سنة، مدرسة، الولايات المتحدة الأمريكية) تقول:
إلى مجانين من عانس1
بسم الله،
بكلمة واحدة أقول لك: لا حل في الأفق القريب إلا برحمة من الله فامكثي على بابه مكوث السجين على باب الحرية الموصد أمامنا. أنا في الحادية والأربعين، ولم يسبق لي الزواج ولا حتى علاقة عاطفية لأسباب عديدة منها حيائي ومنها خوفي من الله ومنها جهلي بكيفية التعرض لأسباب الخطبة والزواج في الماضي وعدم مساعدة أهلي لي في هذا وفكما ترين تعددت الأسباب والعنوسة واحدة، وإنا لله وإنا إليه راجعون. لقد عشت ومازلت أعيش ما وصفته من ألم، ولكني تجاوزته نوعاً ما الآن، ووقعه أخف بكثير مما كان عليه، مع أني الآن اقتربت من يأسي من الأمومة حتى لو كتب الله لي رزقاً في الزواج.
أضف إلى هذا أني أعيش بمفردي في الغرب وأدرس للدكتوراه. أي أريدك أن تضيفي على وصفة العنوسة خلطة الغربة وضغط الدراسة والوحدة والمستقبل الغامض. ولقد كنت أبحث في ركام الاستشارات التي تصل إلى الموقع عن مشكلة كمشكلتك ومشكلتي لأسمع رد المختصين، ولكني لم تشف غليلي الإجابات التي قرأتها. فالمشكلة، كما يقول أحمد عبد الله ضاربة في جذور العقول المتخلفة والمجتمع القبلي الأخلاق، الذي تساوت ماديته مع مادية الغرب لإن لم تكن قد تجاوزتها.
أختاه، هذا حلي لك: اتخذي من الأسباب ما استطعت. أعلمي أهلك وأصدقاءك ومحبيك. للأسف أنا أعلمت أهلي ولم يتجاوبوا معي لأن البحث عن عريس للابنة لا يليق بكبريائهم، كما أنه أصبح شاقاً، فتركوني أبحث وحدي فتعثرت وكنت على وشك الزواج أكثر من مرة انتهت بالفشل، لأن معظم رجالنا لا يريدون من هي في سنك، ومستقلة مهما كان دينها وخلقها وأدبها وشكلها مع أن من قرر عدم الارتباط بي بعد الخطبة مطلقون ولديهم أولاد. إذن، إلى أنك مثلي حافظت على نفسك وطهارتك أمداً طويلاً من الزمن، فإن استمتع بك من لا يستحقك، أعتقد أن الألم سيكون مضاعفاً، وخيبة الأمل في الحب بعد هذا الانتظار السحيق خيبة مريرة.
وأحمد الله، كلما تذكرت مصيبتي شعرت بالذنب قليلاً، لأني أحسن حالاً من المسجونين والمعذبين والمحاصرين والثكالى والمشلولين والذين قضوا ويقضون جوعاً وعطشاً وعذاباً في الوطن الإسلامي الفسيح الجريح.
إن أمامنا أيتها الأخت الكريمة مهام جسام في نصرة الدين لن تقف عند الهم الشخصي. لا أقول لك أن انشغالك بهم الأمة يقضي على ألم حرمان من أبسط وأجمل الحقوق في الحب، ولكني أقول لك، إن الله مع المجاهدين، ألا فأنعم الصحبة.
لذا فإني أتجرأ على آلامنا لكي لا تهزمنا، لا تنهزمي ولا تيأسي، ولعل الله يجعل بعد كرب فرجا، وإنا لله وإنا إليه راجعون. وحين تحاصرني أشباح العنوسة وعدم الخلفة، لا يواسيني إلا هذه الآية الشريفة: "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً"(الكهف:46). حقا إن من تزوج ولزم ذكر الله نال زينة الحياة الدنيا ونال أيضا خير الباقيات الصالحات (التي هي كما تعرفين سبحان الله والحمد لله.. الخ)، ولكننا أيضا نلنا شرف التقوى، وعدم النزول إلى نجاسة الزنا أو الاقتراب منه رغم طول الامتحان.. (اللهم أنت تعلم أني أقول ما أقول تصبيراً لها ولي ولأمثالنا وليس لأتي آمن مكرك، فأرفع عني وعن أختي وعنها وعن أمثالنا بلاء العنوسة وثبتنا على طاعتك وطاعة رسولك يا كريم).
أختي، كلمة أخيرة... اتخذي من الأسباب ما استطعت.. ثم اتركيها على الله، فهو نعم المولى ونعم النصير. نعم أمامنا مهام أكبر من الرجل والحبيب والولد والأمومة. هناك نصرة هذا الدين، فهلمي إليه، هلمي إلى الله... إلى الله.. لا منجى منه إلا إليه. لا يقعدنك الألم عنه.. فتتخلفي عن ركب الحبيب محمد. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. ألست على عهدك معه، ألا فكلنا راع وكلنا مسؤول عن رعيته. انخرطي في الأعمال الخيرية وامسحي دمعة عن يتيم أو معذب، وسترين كيف يشرق الإحسان فيك كالنور.. كالضياء.. كعذوبة صلاة الفجر. طبعاً هذه الممانعة النفسية ضد الألم ستأخذ وقتاً، ولكن نتائجها طويلة الأمد إن شاء الله.
هذا ما لدي, وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
25-4-2008
الأخت العزيزة "نوران"؛
واستني رسالتك كثيراً وطيبت بخاطري وأشعرتني أن هناك من يشعر بي في هذا العالم القاسي الجاف، ووضعتني على حقيقة مدهشة أنني لسة الأسوء حالاً على الإطلاق بل هناك من أشد معاناة وأكثر ألماً.
صبرك الله على رحلة الغربة وتجربتها وثبتك وأعطاك الإرادة والقوة والتصميم لتعودي لبلدي بالدكتوراه إن شاء الله. وأريد أن أطمئنك أن حلمك بالزواج والأمومة لا يزال من الممكن أن تحققيه وتسعدي به، فأعرف من تزوجت في مثل سنك، ومن أكبر منك، وهناك من أنجبت بعد الأربعين، فالأمل في الله وفي الحياة لا ينتهي أبداً.
والحقيقة إني أحاول أن اشغل نفسي بكل الأنشطة الممكنة التي تدخل في إطار رسالة في الحياة، وتدخل في إطار مراد الله من خلقنا على أرضه، ولكن في لحظات كثيرة أشعر بضعف إنساني واحتياج إنساني طبيعي يجعلني أصرخ في احتياج للفطرة التي غرسها اللهفي نفوسنا جميعاً، وفي إحدى هذه اللحظات قررت أن أرسل لمجانين.
وطبعا الانشغال بأنشطة أخرى مفيدة يعين على التصبر على تجاوز هذا الإحساس الصعب، ولكن اقتراحك الثاني بالأخذ بالأسباب بإخبار الأهل أمر لا استطيع أن أنفذه فنحن لم نعتاد في اسرتنا على الحديث في مثل هذه الأمور وسوف يُساء فهمي بشكل فظيع وبصورة لا يمكن وصفها وسيصل الأمر لدرجة الكارثة، وهو أحد نتائج التفكير المتخلف الذي نعاني منه.
أما عن الحديث مع الأصدقاء فأحياناً أفعله، وإن وصل الأمر لدرجة غير مجدية لأنه أصبح بلا فائدة، وآخر ما توصلت له أنه يجب التوقف تماماً عن التوقف تماماً عن التفكير في هذا الأمر، والأفضل أن نفكر في أمر ينفعنا، أمر ايجابي أمر نبني به، أمر ينفعنا بدلاً من أن نفكر في أمر لا نستطيع تحقيقه.
ما بقي من الأخذ بالأسباب؟ إعلانات الإنترنت؟ فكرة سخيفة... وحتى البحث عن زوج مناسب من خلال الأقارب تجربة أثبتت فشلها معي بعد أكثر من تجربة فالكل يسعي بحماس شديد لتقديم أحد الشباب لي بغض النظر إذا كان مناسباً لي أم لا، ولا يبقي لي في النهاية إلا مرارة التجربة وألم أمي بعد تعلقها بأمل أن ينزاح شبح العنوسة الجاثم على صدورنا من الأسرة، فلا تتخيلي كم يؤلم عدم زواجي أمي.
أريد أن أخبرك أنني أعتبر الصبر أحد وسائل الأخذ بالأسباب، باعتباره وسيلة فعالة، فلما أفكر في الأمر لا أجد أمامي حلاً إلا الصبر، هو السلاح الفعال في مثل هذه الحالة.
أشكرك يا نوران جداً على رسالتك النورانية التي أسعدتني وأضاءت أمامي بعض الطريق وأتمنى دوام التواصل بيننا.
اقرأ أيضاً:
شبح العنوسة وفضفضة مجانين / عنوسة ولا قلة حياء