اتُهم ابن العقيد القذافي وزوجته بضرب خادمين في أحد فنادق سويسرا، فاحتجزتهما الشرطة مدة يومين للتحقيق معهما ثم أطلقت سراحهما بكفالة، فردت ليبيا بقطع إمدادات سويسرا بالنفط، ومنع السفن التي ترفع العلم السويسري من الدخول إلى المرافئ الليبية وتفريغ حمولتها فيها، وجرى تقليص الرحلات الجوية بين البلدين، وتلقت المؤسسات السويسرية في ليبيا أمراً بإغلاق أبوابها، وأوقفت السلطات الليبية منح تأشيرات دخول للسويسريين، وأقفلت مكاتب المجموعة السويسرية «نستله» والمجموعة السويسرية السويدية «إيه. بي. بي»، وخضع المسئولون عنها للاستجواب لدى الشرطة الليبية، ودعت وزارة الخارجية السويسرية أمس رعاياها الموجودين حالياً في ليبيا إلي إبلاغ السفارة بوجودهم تحسباً لأي طارئ، ولم يبقَ سوى أن تُقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتُعلن القيادة الليبية الحرب على سويسرا وبدء زحف اللجان الثورية على الحدود السويسرية!!!
كل ذلك لأن السيد «هنيبعل» الابن الرابع للعقيد القذافي يُقيم مع زوجته في أحد فنادق سويسرا الفاخرة، واصطحبا معهما خادمين أحدهما تونسي والثاني مغربي، وقد تقدم الأخيران بشكوى ضد "هنيبعل" وزوجته اتهماهما فيها بضربهما، فقامت الشرطة بالتحقيق في الأمر أثناء احتجاز "هنيبعل" وزوجته مدة اليومين، ثم أطلقت سراحهما بكفالة قيمتها نصف مليون فرنك سويسري «312 ألف يورو». هذا الإجراء الخاص المتعلق بابن العقيد وزوجته، تحوَّل إلى قضية عامة أفسدت علاقات سويسرا مع ليبيا، ورُتبت تلك التداعيات التي هددت وأوقفت المصالح المتبادلة بين البلدين، على النحو الذي سبقت الإشارة إليه.
لا أشك في أن السلطات السويسرية فوجئت برد الفعل الليبي، ولم يخطر على بال أحد في «برن» أن إجراءً قانونياً اتُخذ بحق ابن العقيد يمكن أن يُحدث انقلاباً في العلاقات مع طرابلس. لكنني أستطيع أن أتصور النصائح التي يمكن أن يُقدمها في هذه الحالة القسم العربي في وزارة الخارجية السويسرية، الذي ربما أدرك دبلوماسـيوه أن منطق القبيلـة لا يزال هو الحاكم في العالم العربي، بحيث أصبح شـرف القبيلـة من شـرف رئيسـها وأسـرتـه وهي حقيقـة لا مفر من الاعتراف بها، ذلك أن دول المنطقة إذا لم يقترن اسمها بأسماء العائلات الحاكمة، فإنها تتحول إلى عزب وإقطاعيات موقوفة على حكامها، فهذه عزبة فلان وتلك عزبة علان، وهكذا.
من هذه الزاوية فلا غرابة في أن تثور ثورة الدولة الليبية ـ الجماهيرية العظمى! إذا تمت مساءلة ابن الرئيس وزوجته طبقاً للقانون السويسري لأنهما اتُهما بضرب اثنين من الخدم، وهو الإجراء الذي استُقبل في طرابلس بحسبانه إهانة لليبيا القذافي ومساساً بكرامتها.. رغم أن الكفالة التي دفعاها تعني أن التهمة لها أصل، وأن السلطات السويسرية جاملتهما حين اكتفت بتغريمهما، ومع ذلك فإن السلطة الليبية ظلت غاضبة، واعتبرت أن السيد "هنيبعل" وزوجته أُسيئت معاملتهما، وهو أمر مشكوك فيه، إلا إذا اعتبرنا أن مجرد التحقيق معهما يُعد إهانة، باعتبار أنهما في ليبيا فوق القانون، ولا تجوز مساءلة أي منهما!
هذه ليست حالة ليبية ولكنها حالة عربية أيضاً، فحين اتهم شقيق أحد الرؤساء في منطقة المغرب العربي في قضية تهريب مخدرات وسرقة يخت من فرنسا اعتُبر ذلك عملاً موجهاً ضد الدولة المذكورة، وتوترت العلاقة بينها وبين فرنسا، ولماذا نذهب بعيداً؟!، فقد وجدنا في مصر أن الأبواق الرسمية أقامت الدنيا وأقعدتها، بسبب شريط اغتيال السادات الذي عممته إحدى الصحف الإيرانية المحافظة، حتى أن مباراة كرة القدم بين الفريق المصري والإيراني أُلغيت، ولم يفكر أحد فيما إذا كان ذلك يُحقق شيئاً من المصالح العليا للبلد أم أنه يضر به، حتى أشك في أن السؤال طُرح من الأساس!
إن أوطاننا قد اختُزلت في مجموعـة من الأشـخاص والعائلات، وهي ليسـت ملكاً لشـعوبها، ولا وزن فيها لأي مؤسـسـات، ومصالحها العليا هي مصالح أولئك الأشـخاص وتلك العائلات، ولأجل خدمـة تلك المصالح وتحقيقها فإن كرامـة الأوطان ومصالح عموم الخلق تتراجع إلى الوراء، وبهذا المنطق فإن الأمـة تظل في نظر حكامها بخير طالما أنهم أنفسـهم كانوا راضين ومرتاحين، وكان لذلك الرضا صداه لدى الزوجات والأبناء والأحفاد!
نشرت في الدستور بتاريخ 27/7/ 2008
واقرأ أيضاً:
مطلوب تحرير أبو مازن من مختطفيه/ «جريمة» حماس التي لن تغتفر/ فصل في إرهاب الدولة/ إلى عمرو خالد: عد إلى أهلك وأمتك