شكرا سوريا: مؤتمر مختلف1
كانت الجمعة 22/ 8/2008 هي اليوم الثاني لمؤتمر "النتائج النفسية للعنف" في سوريا وكانت محاضرات الجلسة الأولى في ذلك اليوم مركزة على العواقب النفسية القانونية للتعذيب مع التركيز على ما يحدث في العراق فكان البحث الأول بعنوان : "عنف فوضى احتلال العراق 2003 ومتلازمة الكرب التالي للرض في جمهرة بغدادية" والثاني بعنوان "العنف في العراق: مراجعة طبية نفسية" والثالث حكى لنا فيه أديب العسالي حكاية فندق البصرة... وبدأت أتساءل بيني وبين نفسي أولا ما هذا هذه المحاضرات والأبحاث كلها تتكلم عن مجتمعاتنا العربية بصدق... أين دراسات الترويج لدواء بعينه؟؟ إنها دراسات غير مدعومة من شركات الدواء ومحاضرات غير مدعومة من شركات الدواء... وهذا غير ما اعتدناه في مصر بكل تأكيد.. ولم أزل أسأل حتى عرفت أن مساهمة الشركات الأجنبية في دعم المؤتمر كانت قليلة مقارنة بالشركات الوطنية ومؤسسات الدولة والمؤسسات النفسية الخاصة إضافة ما تحمله أديب العسالي من تكاليف المؤتمر.. المهم أن كل المواضيع المطروحة في المؤتمر ليست بهدف الدعاية لدواء أو عقارٍ بعينه، وهو ما يرفع قيمة المحتوى العلمي للمؤتمر، ومن الواضح أن كونها المرة الأولى لسوريا لعقد مؤتمر طب نفسي قد ملأ الجميع حماسا فلم يبخل أحد بالدعم طلبا لنجاح الحدث فجاء النجاح أكبر مما تصوره القائمون على الأمر.
وأما الجلسة الثانية من جلسات المؤتمر فكانت تحت عنوان: مواقف من الطب النفسي Attitudes to Psychiatry حيث دار المحتوى العلمي حول أخلاقيات الطب النفسي والمقارنة بين مواقف الناس من الطب النفسي في انجلترا وسوريا... ودراسة عن بعض مظاهر وصمة الطب النفسي في مستشفى سعودي.. بينما كانت الجلسة المجراة في قاعة "ب" عن الصحة النفسية للمرأة وشارك فيها ابننا ملهم الحراكي ببحثه عن اضطراب التصرف وعلاقته بالتربية العنيفة والتكنولوجيا الحديثة، لكنني مع الأسف لم أتمكن من حضور تلك الجلسة لأنها كانت في نفس وقت جلسة المواقف من الطب النفسي.......... وبعد انتهاء الجلستين كانت صلاة الجمعة ثم الغذاء...... ثم التقيت في الثالثة في بهو شيراتون مع الأستاذة رفيف الصباغ التي وعدت بالتعاون معا في تأصيل ووضع أسس العلاج المعرفي السلوكي لمرضى الوسواس القهري المسلمين... كانتا في صحبتها أختها ومسلمة من مقدونيا تدرس دراسة شرعية في سوريا... واتفقنا على تعاون أكثر وسوف تتحفنا بمقالات عن منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري: وقايةً وعلاجاً سننشرها تباعا على مجانين.
وقبل دخول هذه الجلسة اختفى د. عبد الرحمن إبراهيم ربما لإعداد شيء للمؤتمر هكذا قلت لنفسي واتضح أنها مسألة كانت متعلقة بسمك يستورده من بلده في اللاذقية في أقصى شمال سوريا ليقدمه لضيوف سوريا في المؤتمر... لكن يبدو أن الحر الشديد أفسد السمك والخطة كما أفسد لباس د.عبد الرحمن إبراهيم الذي اضطر لتغيير ملابسه قبل أن يعود ليلتقطني وأحمد ابني من سوق "باب توما" وهو السوق الوحيد في دمشق الذي يفتح أبوابه يوم الجمعة ومنه أخذنا د. عبد الرحمن وسأل أين تودون الذهاب يا سيدي عندنا بعض الوقت قبل حفل العشاء في نادي بردى فقلت له نصعد جبل قاسيون يا سيدي وهذه أمنية أخرى كانت راودتني في زيارتي الخاطفة الأولى لسوريا عام 2006 ولم أتمكن منها... بارك الله فيك يا عبد الرحمن يا أخي... صعدنا جبل قاسيون ورأينا دمشق كلها من فوقه كما رأينا دمشق الجديدة على الجهة الأخرى من الجبل... وأنعشنا المناخ البارد الجاف وكانت الريح قوية إلى حد أنها كانت تهز الكراسي التي يضعها الناس على جانبي الطريق فوق الجبل... وتذكرت شعر نزار قباني:
يا دمشق التي تفشى شذاها تحت جلدي كأنه الزيزفونُ
قادم من مدائن الريح وحدي فاحتضني، كالطفل، يا قاسيونُ
أهي مجنونة بشوقي إليها... هذه الشام، أم أنا المجنون؟
وكان المشهد رائعا بكل المقاييس والمناخ أروع، وكان واضحا أن كثيرين من السوريين يصعدون الجبل في أيام العطلات للاسترخاء والاستمتاع وعرفت أن الأسعار فوق الجبل تعادل ضعفي الأسعار في فندق شيراتون وكان ذلك كفيلا بألا نفكر في شراء أي شيء، ولن أطيل اتقاءً للحسد ربما بعض المجانين زاروا سوريا ولم يصعدوا الجبل وبعضهم لم يزر سوريا أصلا.. ونسأل الله أن يكتب له الاستمتاع بزيارة دمشق وصعود جبل قاسيون.....
إلا أن ما نغص علينا المتعة كان مكالمة هاتفية تلقاها د.عبد الرحمن مفادها أن مجلس اتحاد الأطباء النفسانيين انعقد لإجراء انتخابات على الرئاسة ضد إرادة د. أديب العسالي حتى أن الأخير لم يحضر الاجتماع وأنه عندما آلت إليه الرئاسة تنازل عنها للدكتور ناصر لوزة أمين الصحة النفسية بوزارة الصحة المصرية... سبب الانزعاج هنا أن في ذلك خروجا على المؤتمر العاشر الذي عقد في القاهرة شهر يونيو الماضي أي منذ شهرين واكتمل فيه أيضًا نصاب أعضاء المجلس وتم انتخاب أستاذنا د.أحمد عكاشة (الرئيس السابق للاتحاد العالمي للأطباء النفسانيين) لمنصب رئيس اتحاد الأطباء النفسانيين العرب... معنى ذلك أن انقساما قد حدث في الاتحاد وهو ما يعني إمكانية لضياع كثير من الجهد والوقت فيما لا أجد له داعيا من الأساس لأن منصب رئيس اتحاد الأطباء النفسانيين العرب هو منصبٌ شرفي في الأساس... فضلا عن أن انتساب أي شيء في عالم اليوم لاتحاد -أي شيء عربي- يضع تحت الشيء عديدا من الخطوط الحمراء من قبل الغرب بوجه عام، وهذا كلام يعيه الصاحون والنيام... فلماذا وعلى ماذا نختلف ونحن في عالم اليوم مجرد "عرب"! وزننا مع الأسف خفيف وحضورنا على الساحة العالمية أخف!
بعد ذلك كان علينا التوجه إلى نادي بردى لحضور العشاء الرسمي للمؤتمر ومن الفندق صحبنا الدكتور مهدي القحطاني من السعودية فكلمني عن مجانين وعن رغبتهم وهم على وشك إنشاء موقع إليكتروني لجمعية الأطباء النفسانيين السعوديين أن يتواصلوا مع مجانين وطلب أن أحدد له نوعية الخدمات التي يمكن أن يقدمها مجانين للأطباء النفسانيين فقلت له: كثير... وبينما نصعد السلم في النادي استوقفتني عدة لوحات فأخذت صورا لها بالمحمول... وفي العشاء لم أكن ذهنيا قادرا على وقف التفكير فيما حصل وكنت ورفيقي د.عبد الرحمن قلقين من بوادر الانقسام المزعج الذي قد يصيب الاتحاد...
وفجأة تغير وجه الدكتور عبد الرحمن قليلا إثر مكالمة هاتفية من أهله.... وقال أنه قلق بعض الشيء بشأن حسن ابنه فقد سقط على قدمه وذهب للطبيب وقال: أشعر أنهم يخفون عني شيئا من الحقيقة... طغى كل ذلك على تفكيرنا حتى أننا اكتفينا ببعض العشاء ولم نكمل السهرة واخترت أن أنام مبكرا لأن بحثي الأساسي موعد إلقائه هو صباح السبت أو هكذا كنت أظن... وعلى ذلك بت ليلتي الثالثة في سوريا.