شكرا بروفيسور أديب العسالي، شكرا لكل المشاركين في المؤتمر الحادي عشر لاتحاد أطباء النفس العرب الذي عقد في دمشق 23.08.2008-21
لم أفكر في يوم من الأيام كتابة مدوناتي (كما يحب تسميتها أخي وصديقي العزيز البروفيسور وائل أبو هندي صاحب ومؤسس الشبكة العربية للصحة النفسية الاجتماعية الموقع المشهور باسم مجانين دوت كوم) ولم يخطر ببالي ذلك أبدا.. رغم أنه طالبني المشاركة في الكتابة إلى مدونات مجانين منذ أكثر من عامين.. فعادة أكتفي ومنذ أكثر من عقد من الزمن من خلال برنامج حاسوبي صمم خصيصا ليطلعني على مواعيدي وواجباتي، ويحتفظ بسجل لكافة الاتصالات والمراسلات التي أقوم بها، إضافة إلى ملخص مجدول لأهم الأعمال اليومية المنجزة، يأخذ مني يوميا بضع دقائق قبل النوم...
لكن هذه المرة أحرجني العزيز الفاضل البروفيسور وائل أبو هندي.. أحرجني بأدبه ورفعة أخلاقه ولباقته أثناء تواجده ونجله الشاب الخلوق أحمد في دمشق أيام المؤتمر، وأحرجني بما كتبه في مدوناته (شكرا سوريا المؤتمر مختلف).. وأحرجني عندما طلب إلي الكتابة في المدونات عن المؤتمر.. فهذه المرة لا عذر لي، الحدث في بلدي،... ونزولا عند رغبته أكتب هذه المدونة عن المؤتمر الحادي عشر لاتحاد الأطباء النفسيين العرب الذي عقد في دمشق عاصمة الثقافة العربية 21-23 آب 2008..
وصلت إلى دمشق عصر يوم الثلاثاء 19.08.2008 قبل يومين من انعقاد المؤتمر الحادي عشر لأطباء النفس العرب في دمشق. قبيل الغروب اتصلت هاتفيا مع البروفيسور أديب العسالي رئيس المؤتمر، فدعاني للقائه وترك لي حرية مكان اللقاء لكنه فَضَّل أن يكون في منزله، كي نغادر بعدها إلى فندق الشيراتون إذ أن بعض الزملاء من الأطباء العرب المشاركين في المؤتمر وصل إلى دمشق.
بعد الغروب التقيت البروفيسور العسالي والسيدة عقيلته في منزله، هي المرة الأولى التي ألتقي فيها بهذا الرجل "الإنسان"، إذ كان تواصلنا هاتفيا والكترونيا..
استمعت إلى وجهة نظره وموقفه في الكثير من القضايا بما فيها المشكلات التي أفرزها مؤتمر القاهرة للطب النفسي، كما اطلعت على مواقف وآراء السادة الأطباء أعضاء المجلس التنفيذي لاتحاد أطباء النفس العرب..
"حقيقة كنت على اطلاع على الكثير من المواقف والآراء، وكنت أدرك الكثير من الصعوبات التي واجهت انعقاد المؤتمر، ولا أبالغ إذا قلت كنت على تماس مع بعضها، كما كنت إلى جانب الجهود الكبيرة التي بذلها أخي وصديقي العزيز الدكتور جمال التركي (مؤسس الشبكة العربية للعلوم النفسية ورئيس هيئتها العلمية الاستشارية) في مبادرته ومحاولاته التوفيقية لتقريب وجهات النظر.. وكنت على اتصال مباشر إلكترونيا وهاتفيا مع عدد من الأصدقاء والزملاء في توضيح وتقريب وجهات النظر ومحاولة تطويق الخلافات التي نشأت بعد مؤتمر القاهرة... وحاولت قدر استطاعتي مساندة أي جهد توافقي، ووجهت مجموعة من الرسائل منها رسالة إلى الأستاذ الدكتور أحمد عكاشة (موثقة لدى الدكتور جمال التركي والبروفيسور يحيى الرخاوي والبروفيسور محمد أحمد النابلسي والبروفيسور أديب العسالي)..".
وكنت التقيت الصديق العزيز البروفيسور محمد أحمد النابلسي في منتصف شهر تموز 2008 هذا الإنسان الذي يمتلك عزة نفس وإباء وصدق ووفاء منقطع النظير مطعمة بخبرة هائلة في معظم مجالات الحياة، واستمعت إليه مطولا في الكثير من القضايا ومنها التي تتعلق بالمؤتمر والخلافات التي أفرزها مؤتمر القاهرة.. كما أيدت المواقف الحكيمة للصديق العزيز الدكتور جمال التركي بعدم نشر الرسائل المتبادلة والواردة إلى بريد الشبكة العربية للعلوم النفسية من أي كان والتي يمكن أن تؤثر بشكل أو آخر، أو تسبب إرباكا على المشاركة في المؤتمر..
كلمة حق يجب أن تقال.. أن الجهود الهائلة للتحضير للمؤتمر في دمشق، وخاصة أنه أول مؤتمر لأطباء النفس يعقد في سوريا، والافتقار إلى الخبرات في تنظيم هكذا مؤتمرات بهكذا حجم على صعيد الاختصاص، وعدم وجود المؤسسات والشركات التي تمتلك الخبرة في تنظيم هكذا مؤتمرات، وغير ذلك الكثير، مما جعل البروفيسور أديب العسالي يعمل عمل مؤسسة كاملة متكاملة من خلال شخصه، وهذا لعمري مرهق حتى على أعتى الرجال...
لهذا كان منهمكا بمتابعة كل شاردة وواردة بانضباط بدءً من التحضيرات اللوجستية والعلمية وكل مستلزمات انعقاد المؤتمر وضمان نجاحه بأبهى صورة ممكنة، وتأمين الإقامة والراحة التامة لكل المشاركين، وهذا ما أخذ جل وقت البروفيسور العسالي لدرجة إغلاق عيادته والابتعاد عن مرضاه، ومتابعته لكل تطور على مدار الساعة، يكفي أن أقول عدا عن متابعته الإلكترونية لكل تطور على صعيد المؤتمر وتأمين كل شيء إلكترونيا، فإن جواله (Mobile) قل أن يصمت.. (قدرتُ ساعات استخدامه للجوال يوميا بحدود 8 – 9 ساعات ولا أعتقد أنني مبالغ في ذلك)، وتفرغه للعمل على إنجاز هذا الحدث بأفضل السبل وأرقاها..
لقد تابعت الكثير من ذلك عن كثب وقرب وكيف كان يتابع كل صغيرة وكبيرة بهدوء وروية وسعة صدر وصبر قل نظيره، إضافة إلى الانضباط منقطع النظير من جميع الزملاء وكذلك من الكادر الإداري المساعد في سوريا.. وتذكرت حديثا مع الصديق الدكتور جمال التركي أن رجلا كالبروفيسور العسالي يحتاج إلى طاقم عمل كبير ومدرب إضافة إلى مستشارين أكفاء لمساعدته والتخفيف من الضغط الهائل الذي يتحمله لوحده.
حقيقة لدى الدكتور جمال التركي قناعة أشاركه فيها، وهي أن هذا المؤتمر في دمشق هو مؤتمر البروفيسور أديب العسالي ولولاه لما كان هناك مؤتمر أصلا في دمشق.. هذه الحقيقة التي رددتها على مسامع العسالي بيني وبينه وكررتها أمام زملاء وأصدقاء أعزاء منهم البروفيسور يوسف لطيفة والبروفيسور وائل أبو هندي، وكان دائما يرفضها بلباقته المعهودة وتواضعه الجميل ويردد لا.. لا.. يا عبد... إنه عمل جماعي ويجب أن لا نبخس الآخرين جهودهم.. إنه عمل كل الزملاء.. كل قدم وفق طاقته واستطاعته.. وكان ينوه بالدعم الذي قدمه الزملاء أطباء النفس العرب وفي مقدمتهم الصديق العزيز الدكتور جمال التركي.
وعلمت من البروفيسور العسالي أن البروفيسور خوان ميزيش رئيس الجمعية العالمية للطب النفسي وصل إلى نيويورك لارتباطه بموعد سابق، ولم يكتشف أنه لم يحصل على تأشيرة دخول إلى سوريا إلا وهو على درج الطائرة في نيويورك.. وتابع هذا الأمر البروفيسور العسالي إلى أن تم حله بهدوء وسرعة..
كما لمست التأثر الكبير لدى البروفيسور العسالي برسالة الدكتور نعمات علوان والدكتور يحيى النجار والتي جاء فيها: "إنه لمن دواعي حزننا أننا لم نتمكن من السفر بسبب الحصار والإغلاق المحكم على قطاع غزة، على الرغم من أننا لم نترك بابا إلا طرقناه. نشكركم على تعاونكم معنا، وعلى كرمكم الفياض لنا، وحبكم للقائنا في سوريا الشقيقة، لكن للأسف هذا قدرنا في فلسطين. تحية إلى كل الزملاء الأفاضل المشاركين في المؤتمر، ونأمل أن نلتقي بكم في مؤتمر آخر.".
عندما حان موعد المغادرة مع البروفيسور العسالي للقاء الضيوف القادمين إلى المؤتمر، استوقفتني لوحة زيتيه رائعة في صالون الاستقبال.. وشرحت لي السيدة الدكتورة عقيلة البروفيسور العسالي عنها، كما شاهدت لوحة مميزة رسمت بالخط العربي لم أعرف أن اقرأها.. فأشارت إلي السيدة الدكتورة عقيلة البروفيسور العسالي كيفية قراءتها.. كانت آية الكرسي..
وصلت كريمة البروفيسور العسالي قبيل مغادرتنا، حماها الله وأسعدها بوالديها وأسعدهم بها وبشقيقها الذي تشرفت بلقائه قبلها واعتذر لارتباطه بموعد.. وقبل الانطلاق قال البروفيسور العسالي والسيدة عقيلته، نحن من عاداتنا أن من يدخل بيتنا للمرة الأولى يجب أن نقدم له هدية تبقى كذكرى،.. حاولت الاعتذار... لكن أين الاعتذار أمام البروفيسور العسالي والسيدة عقيلته فلا مجال للحوار أو حتى محاولة النقاش في هكذا أمر.
في السهرة توجهت بصحبة البروفيسور العسالي إلى فندق الكارلتون حيث اطمئن إلى حسن سير تأمين الإقامة إلى بعض الزملاء الذين وصلوا للمشاركة في المؤتمر ومن بينهم زملاء من الجزائر اصطحبهم البروفيسور العسالي بسيارته، ومن ثم إلى فندق الشيراتون، وصحبنا الأستاذ الدكتور مهدي القحطاني (السعودية) إلى فندق دمشق الدولي لتأمين إقامته إلى يوم الغد لعدم توفر أي مكان في فندق الشيراتون والبروفيسور القحطاني وصل قبل يوم من موعد حجزه في الشيراتون، ومن ثم بصحبة أحد تلامذة البروفيسور العسالي الدكتور قتيبة المرعي (القادم من بريطانيا لحضور المؤتمر) وبعض الزملاء من الجزائر بجولة في مدينة دمشق ومن ثم إلى جبل قاسيون الذي يستطيع المرء أن يشاهد معظم مدينة دمشق بإطلالة وكأنه يراها من طوافة..
من قاسيون أطل يا وطني.............. فأرى دمشق تعانق الشهبا
ونحن في الطريق إلى قاسيون سأل الزملاء من الجزائر عن الأمان لمن يعيش في سوريا.. فأجاب البروفيسور العسالي أن سوريا تنعم بأمان قل أن يتوفر في أي مكان في العالم، إذ يمكن للمرء التجول متى يشاء وفي أي وقت يشاء ليلا أو نهارا وحتى ساعات الصباح الأولى في كافة المدن السورية ومنها العاصمة دمشق، أكان يافعا أم كبيرا أنثى أو ذكر دون ادني إحساس أو شعور خوف.. ودون أن يعترض سبيله أحد..
ويتبع>>>>>> : مؤتمر دمشق لأطباء النفس العرب (2)
واقرأ أيضاً:
شكرا سوريا: مؤتمر مختلف3 / تكريم دكتور الرخاوي / هذا الحذاء