الأربعاء 24 سبتمبر والموافق نفس التاريخ لشهر رمضان
بعد استيقاظي من النوم في منتصف الليل شعرت بمغص رهيب بمعدتي علاوة على دخول متكرر بشكل مقلق لدورة المياه، فشعرت ب(خطرٍ) ما يهدد صحتي. وأنا لديّ فوبيا الخوف على صحتي، فارتديت ملابسي فوراً وقررت الذهاب لطبيبي المعالج بالقرب من المنزل، اعتماداً على أن "الدنيا وَنْس" في رمضان. وأصبت بقلق متزايد وإحباط عارم بعدما وجدته أنهى عمله وفعل نفس الشيء طبيب آخر بنفس الشارع القريب من منزلي ونفس الشيء فعله طبيب ثالث في شارع آخر قريب من منزلي.
ثلاثة أطباء لا أجدهم في عياداتهم! وكان لا بد من حل فالمغص يكاد يقتلني وأنا في ليل القاهرة وحيدة وأمي وحدها بالمنزل –لأني أعيش معها بمفردي- فكرت فوراً في الذهاب لمستشفى تبعد عن منزلي ربع أو ثلث ساعة بالميكروباص، ولكن أمي لا تعرف وعليّ إخبارها.
ذهبت لأقرب سنترال لإخبارها بما سأفعل، فتذكرت أن حرارة التليفون مقطوعة!
فقفز لذهني الاتصال بجاري الطالب بكلية الهندسة على محموله لعله في بيته كي يخبر أمي إلى أين أنا ذاهبة، إلا أنه لمفاجأتي كان خارج المنزل، فأخذت منه رقم المنزل لأنه لم يكن معي وقتها بعد ركوبي للميكروباص متجهة للمستشفى حيث سأجد طبيب طوارئ حتماً فيمكنه أن يكشف ويشخّص ويعطي ما يسكّن هذه الآلام الرهيبة التي تجتاح معدتي المسكينة.
المهم بعدما أخذت منه رقم المنزل، بصعوبة طبعاً والميكروباص يسير وسط ظلام العربة، إلا أن دفتراً صغيراً وقلماً لا يغادران حقيبتي أنقذاني من الورطة، وكتبت الرقم، وحين اتصلت به كان مشغولاً! يا ربي!
احترقت أعصابي أكثر لا بد من إخبار أمي شديدة القلق عليّ بطبيعتها، ولو أضفنا لقلقها قلق الأمهات الطبيعي قلقاً آخر شديداً خاصاً بشخصيتها لوجدنا المحصلة أفكاراً سلبية مهيمنة على عقلها وقلبها، وأنا لا أطيق أن أعرّض أمي لهذا الموقف أبداً لأني أعرف كم تقلق وتخاف عليّ.
ظللت أطلب الرقم حتى أعطي الرنين المميز للاتصال، وردت على شقيقة جاري الشاب، فأخبرتها أن تخبر أمي بآخر ما قررت فعله بالذهاب للمستشفي وأنه ربما أتأخر عن المعتاد (لاحظ أني غادرت المنزل وحدي في منتصف الليل على أمل أني ذاهبة للطبيب القريب، فقررت الذهاب للمستشفى البعيد نسبياً). وطلبت منها أن تصبر عليها حتى تفتح الباب لأنها تسير بصعوبة في المنزل بمشاية بعدما أصيبت ركبتاها بالخشونة وتآكل الغضاريف. وانطلقت أنا في طريقي للمستشفى وسط زحام غير عادي في الطريق زاد من أعصابي اشتعالاً فالألم لا يزال يخترق أمعائي، وأنا أجلس على شوك ونار منتظرة وصول العربة لهدفي المنشود.
وما ضاعف الألم أن الليلة كانت ليلة وترية أي ستضيع علي صلاة التراويح وقراءة القرآن لمرضي المفاجئ، فزاد ألم معدتي حدة. وكنت أطمح في العبادة هذه الليلة لتعويض تقصيري في العبادة في رمضان لهذا العام. وساهم في المزيد والمزيد من الألم (مادياً ومعنوياً) مشاهدتي عدد البشر فائق الوصف الجالسين على المقاهي على طول الطريق للمستشفى.
ما هذا؟ كل هؤلاء على المقهى في ليلة وترية؟
إنني لا أشاهد كل هذا العدد من الناس يشربون الشاي والشيشة في الأيام العادية، فلم زاد عددهم بهذه الكثافة في رمضان؟
تعجبت بشدة لهذا الموقف وشعرت بحزن بسبب هذا المشهد المؤلم.
وصلت العربة أخيراً في حوالي الواحدة صباحا ً(يعني ساعة بعد خروجي من المنزل)، وجدت المستشفى خالية إلا من موظف الاستقبال وطبيب الطوارئ.
فاندفعت نحو موظف الاستقبال: أيوجد طبيب طوارئ؟
أجاب بالإيجاب ودعاني للجلوس ريثما يستدعي الطبيب، وبعد أقل من دقيقة وجدتني أمام الطبيب الذي اصطحبني لحجرة الكشف، وبعد فحص دقيق أشعرني أنه طبيب ماهر على الرغم من أنه لا يزال ممارساً عاماً. كتب لي أربعة أدوية وطلب تحليلاً.
إنه القولون اللعين، الذي أخبرني أنه أصابني بسبب إما طعام ثقيل أو دسم، أصابني بعسر هضم ثم التهاب القولون أو لحالة نفسية متوترة، وأنا طبعاً رجحت أنه السبب الثاني، فقد ورثت القلق الشديد من أمي الحبيبة.
أخذت الوصفة بلهفة واستعجال كي لا أتأخر أكثر من هذا وكنا في حوالي الواحدة والنصف صباحاً، ولازدحام الطريق للمرة الثانية في ليلة واحدة، وصلت منزلي في الثانية صباحاً، وسط استقبال أمي القلق: ما كل هذا التأخير؟ ماذا فعلت؟
- هل أخبرَتك... بأني ذاهبة للمستشفى؟
- نعم، ولكني على الرغم من هذا قلقت عليك جداً، لم كل هذا التأخير؟ وماذا قال الطبيب؟
- إنه القولون المُتعِب.
- مرة ثانية! لقد أخبرتك أنه القولون ولكنك لا تستمعين إليّ.
- ماذا لو كان شيئاً آخر وأخذت دواءً بطريق الخطأ؟
صمتت ولم ترد.
ثم حدثت أخي الأكبر -والذي يعيش بمدينة جديدة بعيدة عنّا- تليفونياً أشكو له حالي وأحداث ليلتي التي لا تنسى طالبة منه حباً وحناناً، فمنحني إياهما بعبارات حانية دافئة.
وحين أخبرته بحزني لضياع الليلة الوترية أجابني أن الله سبحانه وتعالى مُطَلِع وعليم أنك كنت مريضة وفي المستشفى، وقد كنت أريد أن أشعر أني لست وحيدة في هذه العاصمة الخانقة.
وانتهت ليلتي بأحداثها الدرامية التي جعلتني أقرر أن أضمّنها في مقال أو مدونة لو شئتم أن تسموها، وسأضمّنها مدونتي أيضاً، علاوة على نشرها بموقعي المفضل "مجانين"
فما رأيكم في ليلتي التي لا تنسى تلك؟.
واقرأ أيضًا:
يوميات ولاء: أنا وبوش ورايس! / يوميات ولاء: سرطان الروح وأشياء أخرى / يوميات ولاء: أنا والضابط والمرأة العجوز!