تأسست في مصر مجموعة تطلق على نفسها "عوانس من أجل التغيير" بغرض تغيير نظرة المجتمع وتخفيف ضغطه على الفتاة المتأخر زواجها، وتغيير نظرتها هي نفسها لنفسها، وتوعيتها وتذكيرها بأن تأخر الزواج ليس نهاية الحياة.
وفي مكالمة طويلة مع إحدى المؤسسات للحركة قلت: أن كل جزئيات ثقافة الزواج لدينا، أو لا ثقافة الزواج تحتاج إلى مراجعة، وإعادة نظر، وبناء جديد بديلا عما تصدع للأسف الشديد!!
ومن الظواهر التي صادفتني وسط أخرى تتنوع وتتشابك لتنتج الصورة الماثلة أمامنا حاليا، وبعض أجزاء الصورة لا تحظى بتسليط ضوء كافي عليها!!
أقول من الظواهر ما تكرر مروره أمامي مما يمكنني تسميته بظاهرة الرفيق الأليكتروني، وليس عندي معلومات عن المرأة الغربية، ولا أرقام عن النساء العربيات، إنما أتحدث عن حالات رأيتها بعيني لنساء من طبقات مختلفة، وأعمار، وخلفيات ثقافية ودينية متنوعة، والقاسم المشترك بينهن هو وجود "رفيق إليكتروني" في حياتهن، وأعني هنا بالرفيق الإليكتروني شخصا تعرفه الفتاة أو السيدة، وربما لا تعرفه شخصيا، وهي تتبادل معه الاتصال عبر الهاتف المحمول، أو الرسائل الإليكترونية الهاتفية أو عبر الإنترنت، وربما تدردش معه عبر برامج الشات، وقد تستخدم الكاميرا أو الميكروفون للتواصل السمعي أو البصري، أحدهما أو كلاهما.
وهكذا يمكن أن أتخيل أن درجات هذه العلاقة تبدأ من مجرد الأحاديث العادية بكلمات قليلة، والنساء يحببن التعبير والإسهاب، ولا تنتهي أشكال العلاقة عند التعري الجزئي أو الكامل أمام كاميرا الكمبيوتر ضمن ممارسة الجنس الإليكتروني مع هذا الرفيق!!
كما قلت فإن صاحبات "الرفيق الأليكتروني" منهن المتزوجة التي تبحث عن بعض الغزل أو المؤانسة أو كلمة حنان أو عطف أو تقدير أو إشادة قد لا تجدها عند زوجها عند زوجها، وقد تحتاجها من غيره، وتجدها عند هذا الرفيق الأليكتروني!!
ومنهن الفتاة التي تستخدم الهاتف أو الإنترنت لإشباع شغفها، وبعض حاجاتها العاطفية أو الجنسية بالتواصل ولو مع شبح عن بعد تتبادل مع طيفه أو حضوره الإليكتروني الكلمات والضحكات والقفشات والاهتمامات، وربما تستخدمه بوعي منه، وربما بغير وعي، صوتا أو صورة أو مجرد حضور إنعاش مخيلتها الجنسية لتصل إلى الذروة عند ممارستها للعادة بإرجاز!!!
ففي حين يتصور هو أنه مهم وأنه يفعل بها أو يستخدمها فإنها في الحقيقة تستخدمه وتضعه في الإطار الذي تحتاجه، والدور الذي ترسمه ليقوم هو به!!!
المرأة العربية وجدته حلا ذهبيا لكثير من إحباطاتها ومشكلاتها التي لا تستطيع، وربما لا تريد حلها، فالمحمول في يد الجميع، ورقمها، وذاكرة جهازها، وساعات الليل أو النهار هي مساحات خاصة تملأها هي كما تريد، وبمن تريد!!
أصبحت ظاهرة الرفيق الأليكتروني بديلا سهلا للزواج الغائب أو المغيب، وحلا لدى البعض لتأخر الزواج، وفرصة تراها المرأة العربية آمنة لتعويض الحنان والاهتمام المفتقد، وإنعاش حياتها بشخص ليس أمامه غير أن يكون لطيفا وظريفا ليحظى من المدام أو الآنسة بكلمة مجاملة أو رنة ضحكة أو كلمة معسولة!!
ولا أعتقد أن السبب أو الأسباب تتعلق بضعف الثقافة أو التعليم، ولا ضعف الوعي بنوعية وخطورة وخصوصية التواصل الإليكتروني، ولا فراغ المرأة غير العاملة، ولا فقط أن الزوج منصرف عن الاهتمام العاطفي بزوجته، ولا حتى عوارض الملل الزواجي المتكررة، وربما يلعب عنصر من هذه العناصر أو أكثر دورا في تهيئة المرأة لتتخذ رفيقا إليكترونيا، لكن الأسباب الأهم في تصوري تكمن في سهولة مثل هذه العلاقة الإليكترونية وقلة تبعاتها، وخفتها في ميزان الضمير الشخصي، وكذلك جاذبيتها المتناهية، فمن منا لا يتأثر بهذا التركيز والتدفق وخفة الظل وسرعة البديهة التي تتدفق عبر الأسلاك، وتعبر الأثير في تواصلنا الأليكتروني، ومن منا لا تدعمه رسالة تشجيع أو إشارة دعم أو مكالمة مديح تصله دون أن يبدو أن الطرف المقابل ينتظر لها مقابلا، وإغواء فكرة أن المفتاح في يد المرأة فهي التي تبادر بالاتصال أو الاستجابة له، وهي يمكن أن تقطع هذا الاتصال وقتما تشاء وبالطريقة التي ترغب، وشعورها بقيمتها وهي تستقبل المديح أو الاطمئنان أو التشجيع دون انتظار مقابل من الطرف الآخر ـ كما يبدو ـ يجعلها تشعر بانتعاش الذات وبأنها تستحق مثل هذا المديح أو الحنان أو الدعم لمجرد أنها موجودة أو لمجرد أنها تقدم مثله للطرف الآخر.
طبعا أنا لا أتطرق لمن تتصل بأحدهم ضمن علاقة بينهما، فمن تتصل إليكترونيا بزوجها أو رجلها الذي تعرفه واقعا، وتلتقيه حقيقة في أرض الواقع، هذه يكون اتصالها به مجرد اتصال، ولا يكون في حياتها بمثابة "رفيق إليكتروني"، إنما أصرف كلامي لأتناول من تقتصر على الفضاء الأليكتروني في علاقتها بهذا الرفيق، أو بمن تطور على الفضاء الأثيري مساحات من العلاقة ليست موجودة على أرض الواقع بأحدهم ليصبح زميل العمل أو الدراسة أو الاهتمام رفيقا إليكترونيا من ناحية أخرى أو في مساحة مختلفة!!
المرأة العربية المتزوجة تجده حلا ذهبيا، فهي تحافظ على بنيان أسرتها قائما، وفي نفس الوقت تشبع احتياجا وفضولا بطريقة تراها آمنة، وهي تتعامل مع عذاب ضميرها، أو الأسئلة التي قد تلوح في رأسها بالتبرير أو التسكين، وبخاصة أن الأمر الجديد، وليس فيه خلوة بالشكل التقليدي، ولا ملامسة ولا مواعدة ولا زنا، بالشكل التقليدي، وطالما ليس في الأمر وضوحا فإن الاجتهاد وارد!!!
والفتاة غير المتزوجة تراه حلا ذهبيا وسطا بين ممارسة العادة السرية وحدها دون أي طيف رجل غير خيال، وبين مقابلة رجل من لحم ودم مع ما يكتنف هذا من مخاطر، ومن تحريم أكثر وضوحا مما يصعب مسألة الاجتهاد هنا!!!
وأعلم أن الاجتناب أولى، والتحريم يستسهله الأغلب، ولا أجد مساحة لرخصة، ولا أقول أن هذه خيانة كاملة ولا زنا، ولكنها أيضا فيها من هذا وذاك، ولا أصطاد النساء وحدهن بالإدانة على هذا الفعل، وإن كان الرجال لا يكتفون غالبا بالعلاقة الإليكترونية، وزوجات كثيرات يشتكين من الإنترنت، ومن محادثات أزواجهن بالشات مع نساء!!
الموضوع متشابك وفيه تشابكات كثيرة، ولا أرى فيه أو له حلا سهلا أو بسيطا، ولا نصيحة محددة غير التحذير المجدد من أن تمرير انتقال حياتنا وعلاقاتنا بشكل عام من الواقعي إلى الافتراضي، من الاجتماعي إلى الإليكتروني سيحمل لنا المزيد من المستجدات والتحديات والأسئلة والمشكلات التي لن نجد لها حلا إلا بالعودة إلى تفعيل الإنساني وبناء الاجتماعي وتهميش استخدام الإليكتروني قدر الإمكان حتى يصبح مجرد أداة اتصال لا محيط أو بيئة تواصل كما تعودت أن أقول من سنوات!!
على كل حال هذا ما عندي، وأريد أن أعرف وأستمع أكثر من صاحبات التجربة لعل الصورة تتضح أمامهن وأمامي أكثر.
ويتبع >>>>: للرفيق الإلكتروني وجوه كثيرة
واقرأ أيضًا
على باب الله: معركة الثقافة / على باب الله: الليلة وكل ليلة