أرسل لي صديقي السوداني "مرتضى متوكل" رسالة من ماليزيا بعد أن قام بزيارتها.. وعلى عادة إخواننا السودانيين في التعبير عن الانبهار والدهشة، فقد عبّر لي عن انطباعاته وانفعالاته، أنهاها بأمنياته العجيبة! خصوصاً بعد أن علم بعزمنا على إعداد ملف خاص عن ماليزيا في أحد أعداد مجلتنا. وإليكم مقتطفات من رسالته الطريفة والتي كانت بعنوان "أتمنى لو كنت ماليزياً".
"تملكتني رهبة وأنا احزم حقائبي وأعدّ الكاميرات وأستعد للذهاب إلى بلاد بعيدة أراها لأول مرة في حياتي، بلاد أعرف أنها ذات طبيعة رائعة وجمال خلاب، ولكن للسفر رهبته التي ما لبثت أن تبددت عندما قرأت عن أهلها وطيب معشرهم والأمان الذي يتمتعون به. فهم شعب مسالم عشق الحضارة والتطور والعلم والتقنية ومزجها بالأخلاق ورقي الفكر والنظر إلى الأمام، وشجع السياحة وجذب السياح عبر قالب من الفن والصدق.
ما إن نزلت إلى مطار كوالالمبور حتى بدأت دهشتي تتسع من الطريقة التي عوملت بها، والتي بدأت مع موظفة الجوازات التي قدمت لها جوازي، وقد فوجئت بأنني أقف عند الموظف المختص بالماليزيين، اعتذرت منها لأسحب جوازي وأعود إلى الطوابير الخاصة بالأجانب، ولكنها قالت لي باسمة أهلاً بك في ماليزيا وبما أنك جئت إليها فأنت الآن ماليزي، ولكني قلت لها ربما يكون نظام الكمبيورتر لديك مختص بالماليزيين، فقالت لي: "نغيّر نظام الكمبيوتر لأجل خاطرك، المهم أن تكون سعيداً أنت الآن واحد منا".
وحين ختمت جوازي واستلمت حقائبي وخرجت أنتظر صاحبي الذي كان من المفترض أن يستقبلني وإذا بأحدهم يقدم لي حلوى ومرطبات وقال لي: "هل تريد سيارة أجرة؟" فقلت له: "أشكرك، فأنا أنتظر صاحبي الذي سيأخذني إلى الفندق"، فقال: "أرجو أن تأخذ الحلوى والمرطبات فهي عادتنا في الترحيب بالضيف" وأصرّ على قبولها فقبلتها. وبينما أنا أتناولها أتى صاحبي الذي انطلق بي إلى مدينة كوالالامبور وسط سحر الطبيعة الخلابة والأمطار الجملية الهادئة والأزهار النادرة والجو المعتدل الجميل والغريب.. ورغم هطول الأمطار شبه الدائم لم أجد أي مياه متجمعة في الطرقات أو في الساحات!!.
البلد تأخذك بسحرها لأول وهلة، تأخذ بزمام عواطفك وتشعرك بالنشاط والرغبة بالحركة والاستجمام وتمنحك راحة نفسية، وتشعر بالجمال أينما كنت وتتمتع برخص الأسعار، ويمتعك عدم الابتذال والاتزان في كل شيء. المساجد في كل مكان والجو نقي والراحة والأمان، والبلاد مكسوة ببساط سندسي جميل، الناس لبسوا ثوب العفاف والأدب، لم أرَ متسولاً أو أسمع أحداً يرفع صوته أو يصخب دون مراعاة من حوله، بل على العكس عندما نضحك أنا وصاحبي بصوت في القطار أو في مكان عام ينظر الناس إلينا بغرابة فهم يتكلمون همساً.
تجد المحبة في كل مكان منتشرة كانتشار المطر. البلد فيها كل الجنسيات والأنواع، وهناك الشارع العربي حيث الشاورما والدجاج المندي والمحاشي الحلبية (والشيشة)، ذهبت إلى حديقة الأسماك، وهي نفق زجاجي في عمق المحيط ترى فيه الحيتان الضخمة والشعب المرجانية وغرائب الأسماك، وذهبت أيضاً إلى بتروناوس حيث أكبر برجين في العالم، وإلى حديقة الطيور، وقمت بجولة مع البجع والإوز، وإلى التلي فريك في جنتنغ وهو جنة الله في الأرض حيث تذكرت الجنة من جمال ما رأيت من صنع الله القدير وما عملته أيدي البشر، وإذ نحن معلقون نصف ساعة في الهواء والأشجار تحتنا أكثر من مئة متر، وأزهار ملونة بحجم اليد وأصغر وأكبر.
يتوفر في ماليزيا الحدائق والملاهي والمناطق الحرة والتجارة وأحدث التقنيات في مجال النظم والمعلومات وكلها في مبنى واحد. كما توجد بها الصناعات الكيماوية والبتروكيماوية ومصانع الحديد والسيارات والمحركات، وتعد ماليزيا أكبر مصدر للقصدير في العالم، وفيها أكبر البنوك الإسلامية والتمويل الإسلامي.
آه... يا لها من بلد ويا له من شعب! إن الشعب الماليزي قدوة في مجال الجذب السياحي والتعمير المتزن والبناء المعماري الهندسي الراقي. الشعب المتعلم، والمناظر الخلابة والطبيعة الساحرة، ورخص الأسعار، وسهولة المواصلات، وجودة الخدمات والنظافة، واللغة المتعددة التي يتحدث بها الناس حتى اللغة العربية قد تجد الكثير يتحدثون بها، وتوفر المدارس والجامعات والمنح الدراسية، وأهم شيء قبول الآخر وإحساسه بأنه ليس غريباً عنهم، كل هذا جعلهم متقدمين جداً.
لقد سأل أحد الأمريكان رئيس الوزراء الماليزي فقال له: "أنتم ناجحون رغم أنكم أغبياء في الرياضيات!" فضحك الرئيس وقال له: "عندنا واحد زايد واحد قد يساوي خمسة وعشرون، لأن أرضنا وشعبنا طيبون والله يؤتي ملكه من يشاء".
قد سبقنا الماليزيون كثيراً، وليس ذلك بسسبب عدم وجود نظائر لهم عندنا، بل لأنهم تمتعوا بحسن الخلق وجودة الضيافة والمحافظة على القيم والتقاليد واعتزوا بها.
أتمنى لو كنت ماليزياً.. وأنا أتمنى له ذلك حتى لو تغيّر لون بشرته من الأسمر إلى الأصفر وصارت عيونه مائلة /هكذا /..!.
واقرأ أيضاً:
ليست هي / من المنتظر.....