لم يستطع عقلي البسيط وذكائي المتواضع أن يفهم يوما المنطق الذي كان وراء عدم بقاء دولة فلسطين ككيان في قطاع غزة والضفة بعد حرب عام 1948. كل ما استطعت أن أصل إليه أن وراء ذلك أمرين الأول هو الغباء العربي، أما الأمر الثاني فهو الطمع في التوسع لصالح دولة على حساب فلسطين. ثم حدثت نكسة 1967 ولم يعد هناك ما يطمع فيه نظام من الأنظمة، ولكن بقي لنا غباؤنا فلم نفقده. ثم تلا ذلك اتفاقية كامب ديفيد ليحكمنا أيضاً غباؤنا العربي ولم يدرك الجانب العربي والفلسطيني أنه بتخلي مصر عن المواجهة واختيارها السلام إنما يعني أنه لا حرب بعد اليوم مع إسرائيل وأنهم بالتالي يجب عليهم مشاركة السادات للحصول على ما يمكن الحصول عليه وإعلان دولة فلسطين وترك الباقي للزمن.
ولكننا كنا أمام مشهد غبي يهرول وأغبى منه يرفض حيث لم يعد هناك مجال للرفض. وعندما فكر عرفات يوماً بإعلان دولة فلسطين هددت إسرائيل بأنها ستعيد احتلال قطاع غزة، ولو كان عرفات فعل وأعلن الدولة الفلسطينية؛ أظن ما كان لينال الفلسطينيون أكثر مما نالهم اليوم من عدوان إسرائيلي إن لم يكن أقل. وأظن أيضا أن إسرائيل ما كان لها أن تستمر في عدوانها لمدة أكثر مما فعلت في عدوانها على غزة اليوم.
الآن وبعد عدوان إسرائيل على غزة وقتلها لمن قتلت لا أجد منطقاً يمكن أن يحكم عقلي في التفكير سوى الجنون وأظنه أفضل بكثير من الغباء. وكما علمنا أستاذنا الدكتور مصطفى زيور رحمه الله أن في الجنون عقلا وأن الجنون يحكمه منطق ما ليس منطق فيه. لهذا سأطلق العنان لجنوني وأطرح سؤالا واحدا لما لا تعلن حماس الآن قيام دولة فلسطين في القطاع؟ وأؤكد أنها ستجد من يعترف بهذه الدولة وأولها فنزويلا وهي تكفي كبداية. ما الذي يمكن أن تخسره حماس لو فعلت ذلك؟ فلتكن خسارة بخسارة وتعلن حماس دولة فلسطين مع طرح الضمانات بقيام انتخابات رئاسية ديمقراطية نزيهة، على أقل تقدير ستكون للخسارة التي خسرها أهل غزة ثمن مقبول جدا. أقول بمنطق ما ليس منطق فيه يا أهل فلسطين ارفعوا ثمن شهدائكم وليكن الثمن هو إعلان الدولة الفلسطينية الآن الآن وليس غدا.
لقد دخلت إسرائيل حربها على حماس واختارت توقيتا قبل نهاية ولاية بوش وذلك لاستغلال غبائه وفي دخول ولاية أوباما لتوريطه. والآن هي التي تورطت وتبحث عن مخرجٍ من هذه الورطة وأقصى طموحاتهم أن يحصلوا على قرار دولي على غرار القرار 1701 لتحفظ ماء وجهها. فلماذا تُبقي حماس على ماء وجه إسرائيل؟ ولماذا لا يورطون إدارة أوباما ويعلنون قيام دولة فلسطين الآن؟ إن أفضل ما تقوم به حماس حتى الآن أنهم لا يستمعون إلا لضمائرهم، ولو كانوا يسمعون لغير ضمائرهم لهلكت حماس وهلك معها الفلسطينيون، ولكن الخوف كل الخوف بعد كل هذا الصمود أن يكون سقف طموحات حماس ما زال واقفاً عند حد فتح المعابر ووقف العدوان وضمان عدم الاعتداء الإسرائيلي على غزة.
إذا كانت هذه طموحاتهم فإننا سنكون للمرة الألف أمام الغباء العربي إذ لا يوجد ضمان أن تنفذ إسرائيل بنود أي اتفاق وسيجدون المبرر لأن يفعلوا ما يريدون أن يفعلوه ويقتحمون غزة مرة ومرات. لن يخسر الفلسطينيون أكثر مما خسروا. هذه فرصتهم بدلا من الانتظار ثم التهديد يوما بإعلان الدولة كما فعل عرفات من قبل لينالوا تهديدا بإعادة الاحتلال وأن يفعلوا بهم مثلما يفعلون الآن. إذا كان ما سيحدث هو ذلك فلما لا يعلنون دولتهم الآن؟
بمنطق الجنون الذي لا عقل فيه كعقول عقلاء العرب لو أعلنت حماس قيام الدولة الفلسطينية الآن ستجد كل الدعم الشعبي من جميع الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج. ولكن إذا سمعت حماس لأصوات التهدئة العربية والوعود بالدبلوماسية الكاذبة التي ستعطيهم الدولة يوماً ما كما فعلوا مع عرفات؛ هنا أقول ولا حرج أننا سنكون أمام مشهدٍ جديدٍ لمسلسل الغباء العربي الذي ضرب رقما قياسياً لكونه أطول مسلسل في التاريخ وستكون البطولة فيه منفردة لحماس. وكان الله في عوننا نحن الشعوب العربية أحياءً وشهداء.
واقرأ أيضاً:
هيلن كيلر معجزة لن تتكرر / حكاوي القهاوي