فإذا بالدكتور مهدي ينظر لي نظرة تحمل من الاستغراب والتساؤل الكثير حتى ظننت أني أخطأت في القول! ثم قال سريعا إذن نقوم بالتصويت ماذا سنفعل إذا لم نعبر؟ أنعود أم نظل؟ فالكل قال بكل قوة سننتظر حتى نعبر إلا أنطونيوس قال أنا معك لمدة ثلاث سنوات هنا يا دكتور! يا إلهي ما هذا؟ هل هو مجنون أم إنسان أم....؟ فقلت لنفسي ستكون موضوعي يا انطونيوس حتى نعبر!
ووصلنا إلى المعبر العظيم بعد أن مرننا على أربعة لجان في الطريق، فقط من العريش حتى رفح وهي مسافة لا تتعدي الأربعين دقيقة وفي كل مرة يتم التساؤل عن من نحن؟ أين أوراقنا؟ ماذا نريد من غزة؟ ولا يخلو الأمر من بعض النصائح التي تحرق الدم كهؤلاء خونة أو أنهم سبب ما يحدث بهم أو أنهم لا يقدرون ما نقوم به تجاههم، وكظمت غيظي مرات ومرات حتى لا أتفوه بكلمة تجعل الفريق كله يعود على أول طائرة لقلب العاصمة من جديد بدلا من الباص الوقور، وإذا بالمعبر "خرابه" جزء من صحراء ممتدة في شمال سيناء تم سفلتت مكان الوسط فيه بالكاد وعلى جانبي المعبر عن بعد يوجد بعض الأشجار التي تغير لون أوراقها الخضراء إلى اللون الرمادي ربما من الغبار أو عدم الري أو من أفعال الناس من حولها!
ولم يخلو المعبر من وجود "الحمير" نعم حمير تنهق وتطلب الرحمة بأعلى صوت ونساء عجزة يرتدين النقاب الأسود البدوي في محاولة مستميتة لبيع بعض اللوز والبلح ولبن الماعز! أما بوابة المعبر فهي ضخمة عالية سوداء مستفزة، واستقبلنا بطل الأيام التي ستأتي بعد والذي قال لنا أن اسمه محمد ولكن تعليمات الباشاوات له كشفت أن اسمه مراد! وهذا المراد يستقبلك بابتسامة لا تفهم منها أي شيء لا هي استقبال ولا هي استهزاء ولا هي أي شيء فقط يبدو أن عضلات فكه غير منضبطة فلا يمكن تصور أنه يضحك لنا وهو يقول بمنتهى الحسم لم تأتي الأوامر بعد بمروركم يا دكاترة!!
ووجدتني أختنق وأشعر أن الأمر لن يكون سهلا وستخط تلك الأيام في نفسي الشيء الكثير وأنا أعلم إحساسي جيدا فهو نادرا ما يخطئني وكثيرا ما أراني ما لا يبدو بوادره في الأفق!، وظللنا ننتظر تعليمات الباشا ولم تأتي حتى وصلت بنا الساعة الخامسة تقريبا فكنا قد أجهدنا من السفر وطول الوقوف وقلة الطعام فما كان منا إلا أن عدنا لنبيت في العريش لنعود في الصباح من جديد...
ويتبع >>>>: تاراباتاتوووه ومدخلتش غزة (5)
واقرأ أيضًا:
تاراباتاتوووو / يوميات مجنونة صايمة / من أنت؟