من علامات تخلفنا ذلك العجز عن إدراك الأسئلة الصحيحة، والأسباب الحقيقية، والجذور العميقة لمشاكلنا!! أية متابعة للشأن العام أو النقاش الدائر في الإعلام أو المدارس أو الجامعات أو البيوت ستشكف عن ضحالة بشعة، وفساد في منطق الحوار، وكسل عقلي رهيب، وإطلاق كلام ـ مجرد كلام ـ لا يستند إلى أي دليل قوي، أو يصدر عن مرجعية متينة، إنما هي أقوال مرسلة ينقلها غافل عن ناقل عن جاهل غالبا، وبالتالي لا قيمة للكلام في بلاد الكلام!!
ومن علامات تخلفنا وبؤسنا أننا نعيش حياة جنسية شديدة الاضطراب، ويمكن النظر إلى المجتمعات من زاوية الجنس لتفهم مستوى التحضر، وآفاق الفهم، وتخبط أو اعتدال المسلك وحين تنظر إلى حالتنا فتجد الزنا تتصاعد معدلاته بشكل مرعب، والخيانة الزوجية صارت شائعة في الريف والحضر، وبين الفقراء والأغنياء، والشذوذ الجنسي يزدهر رجالا ونساءا، وملايين المحرومين من أي جنس طبيعي، من الجالسين والجالسات لمطالعة الصور العارية، وممارسة العادة السرية بعد محادثة جنسية بالهاتف أو عبر الإنترنت!!
الدعارة صارت بمثابة نشاط أساسي في مجتمعات مختلة العقل والمسلك، في مجتمعات صرخ فيها الجهابذة بالأمس وما زالوا يصرخون ضد الزواج العرفي، فإذا بالآخرين يكفون عنه ويتعاشرون بغيره، ودون أية رابطة أو عقد أو إطار!! أمة غبية، وقادة أغبياء، وغباء يحكم ويتحكم بحيث لا يجلس أحد ليسأل: أين سيذهب الجمهور الذي أقبل بالأمس على العرفي أو المسيار أو غيره؟!
وفي مجتمعاتنا المتخلفة لن يدرس أحد، ولن يبحث مركز دراسات، لأنه لا توجد مراكز محترمة غالبا، ولن يتساءل أحد، لأن السؤال الصحيح في حياتنا رذيلة، أو فعل فاضح يتبرأ الناس منه!! إلا الأسئلة الغبية الخاطئة السطحية التافهة ـ "لتصبح مثل الآخرين"!! أقول لن يبحث أحد أو يدرس أو يتساءل: هل زادت معدلات الزواج التقليدي بعد حملات الحرب على العرفي؟!
وهل انخفضت معدلات الزنا بين شباب الجامعة وغيرهم بعد هذه الحملات ايضا؟! وما هي أسباب تصاعد الزنا بهذا الشكل؟! وهل انخفضت معدلات الطلاق، أو أرقام أطفال الزنا بتحريم العرفي؟! وما هي أسباب العزوف عن الزواج التقليدي، وعن فشله حين يقع؟!
وما هي البدائل التي يقدمها الجهابذة القائلون بتشديد تحريم بقية أشكال الزواج، بل وتجريمها كما يحاولون في البرلمان المصري حاليا!!! وهل تجريم ظاهرة يقضي عليها؟! وهل القانون يعمل ضد حياة الناس؟! ببساطة موجعة لا أحد لديه وقت أصلا للتفكير أو التمحيص أو التأمل في قضايا تهم أمة مخدرة نصف نائمة تسير تحت أفيون، بل أفيونات الإعلام، وضغوط العيش، وفوضى المفاهيم!!!
وفي أمة تعاني من اضطراب جنسي يتكون من حرمان كامل لدى الملايين، وعدم إشباع عند ملايين أخرى، وتزيين الشهوات، وتسعير الغرائز، والبحث عن اللذة بلا أمل ولا فائدة ولا وصول لأي شبق!!! فقط ندور حول أنفسنا في دوائر مغلقة ومختنقة؟! ملايين النساء يكبتن الرغبات في انتظار الفرج، وملايين الرجال يحلمون ويحترقون، وملايين الشباب والفتيات في نفس المحرقة... بلا أمل ولا معرفة ولا تركيز ولا وعي!! أمة كهذه ماذا ننتظر منها؟! هذه الملايين ماذا نتوقع منها؟!
جموع محرومة من احتياج أساسي مثل الطعام والشراب والسكن، وجهابذة يحللون ويحرمون من عند أنفسهم، ويتزوج أحدهم مثنى وثلاث ورباع، بينما يشدد في الإنكار على من لم تتح أمامه نفس الفرصة فيرتزق من الفضائيات ودروس الكاسيت، وكتب بسيطة تملأ الأرصفة ليشتريها جمهور أهطل، فيسافر بها ومعها بعيدا عن الأرض، حيث لم يجد مكانا له، إلى عالم خيالي آخر مريح وجميل ومثير، فيعمل الأفيون عمله، وينسى الألم لفترة ثم يعود!!! ماذا ننتظر من المخدرين؟! وماذا سينتج أو يبدع المحرومون؟! وماذا تجدي الحملات الخرقاء التي تحيط بنا دفاعا عن العفة والفضيلة والأخلاق الحميدة، يا أمة ضحكت من جهلها الأمم؟!!
عندما شرع الله سبحانه لعباده الزواج، واختار لهم الاستقامة والإشباع عبر نظام، وضع لهذا النظام قواعده وأسسه وأوضاعه التي تكفل له النجاح، وللناس السعادة، وحين تغيب هذه المنظومة كلها من أولها إلى آخرها، يصبح الاستمرار في ترديد القوالب اللفظية الخاصة بها محض هراء، وهو ما يملأ حياتنا!!
عندما لا يكون الزواج ميسرا والحب متاحا كما كان على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وعندما يتحول الحلال، والجنس والحب الحلال إلى متاهة، وفزورة عسيرة، ويتفشى الحرام بسبب غباء الكل، تهبط اللعنة على الحمقى فيزدادون تخبطا وغفلة، ثم يتساءلون: لماذا نتأخر؟! لماذا نتخلف؟!!
لقد شغلت المسألة الجنسية عقل الإنسانية منذ فجر التاريخ، وانطرحت أمام البشر عبر العصور حلول من الأرض، وأخرى من السماء، وسلكوا في هذا مسالك جديرة بالتقييم والنظر والتعلم والاستثمار، وطبعا فإن الله سبحانه لم يفرط في الكتاب من شيء، وفي فهم وتطبيق مناهجه صلاح الفرد والمجتمع، لكن مسألة بسيطة تفوت علينا، وهي أن دين الله يحتاج إلى عقول تفهم، وأفئدة تنقاد، وأحرار يختارون، ورجال يحملون ويتحملون!
وأنظر حولي فلا أجد إلا آيات الله نتلوها ليل نهار، ولكنها لا تصادف شيئا من هذا ولا ذاك، فتظل مجرد كلام عظيم للبركة، أما التطبيق فضيق وتضييق، وغباء وزنا!!!
إن العدو الأول للفضيلة يا سادتي ليس هو الانحلال ولا المجون لأن هذا وذاك يدركهما أي طفل صغير، لأن الانحلال والمجون ينتشر وينتعش في وجود العدو الأول للفضيلة والدين والحياة وهو: الغباء والجمود!!
التعصب للغباء والجهل، وجمود العقول عن فهم الشرع والعالم، وعبادة كلام الناس، ونظرة المجتمع، والكذب على الله، أو محاولة الكذب عليه سبحانه!! هذه جميعا مقدمات وتمهيدات لشيوع الفاحشة ـ كما يحصل ـ وللسقوط في براثن التطرف العشوائي الذي ينتشر أيضا جنبا إلى جنب مع الزنا في أمة ما زالت تبحث في سؤال: "المرود والمكحلة" فلا تقر لها عين، ولا تسكن لها نفس، ولا يعمل لها عقل، ولا تتحرك إلا إلى أسفل!!
أقول للناس فيرد جليستي: أحبطتني!! أعرض أفكارا فلا تصادف عقولا، ولكن تثير المشاعر، فقط المشاعر هي ما لدينا؟!
يا ليت قومي يعلمون!!
واقرأ أيضًا :
نفس اجتماعي: كبت جنسي Sexual Restraints / مأساة الشاب العربي والخيمة الإسلامية / بين الحلال والحرام ... الزنا متابعة مشاركة! / الزنا