لا أعرف لماذا أتذكر في هذه الأيام أغنية صلاح جاهين الجميلة الحياة بقى لونها بمبي.. ولا أعرف لماذا يقترن تذكري هذا بعدم التصديق أو الاقتناع. هل صحيح الحياة بقى لونها بمبي.. أراها في هذه الأيام مليئة بألوان أخرى داكنة ومتربة في الغالب، لا أعرف لماذا؟... وتعود بي الذكريات إلى الوراء تحديدا في أوائل العام الدراسي سنة81 قبل مقتل الرئيس أنور السادات وكنا شبابا بقلوب في غاية الخضار نصف وزننا أحلام وكل عقلنا خيال وكلنا يقين في أن الحياة ستتغير على أيدينا كانت هذه هي أيام حكم السادات الأخيرة وكانت الصرعة السائدة في ذلك الوقت هي السخرية من الثقافة والمثقفين والاهتمام بالشأن العام على طريقة الله يرحمك يا طهطاوي التي قالها عادل إمام في مسرحية مدرسة المشاغبين. وكانت قيم الانفتاح هي السائدة وتجار الشنطة هم السادة ومدينة بورسعيد هي مركز الكون والكل ينهش في الكل مستسلمين لشهوة المال الطاغية بعد سنوات الاشتراكية والتأميم والحرب.
وما أشبه اليوم بالأمس قياس مع الفارق.. فبالأمس كانت شهوة المال هي الغالبة أما اليوم فالمال وحده لا يكفي إذ لابد أيضا من السلطة وعلى طريقة الكاتب الساخر محمد عفيفي "الخبز وحده لا يكفي إذ لابد معه من بعض اللحوم والخضروات" ولأن السلطة وارمة عالآخر بعد أن استولى الحكام على البلد بوضع اليد وكسبوا ملكيتها بالتقادم الطويل فإن التدخل الأمني في العقول وفي الأفكار وحتى في الثقافة أصبح هو صرعة اليوم والغد. وفي ظل هذا الجو فالحياة بالتأكيد لونها مش بمبي خالص وأنا أشعر فيها بشيء من الضياع في هذه الأيام لأني فعلا أصبحت غير قادرة على التمييز بين الكاتب الذي ينفذ أجندة أمنية من الكاتب الذي لا ينفذ إلا ما تمليه عليه قناعاته، كل شيء اختلط على نحو لم أعد بعد أعرف من فيهم يقول الحقيقة ومن يقوم بتزييفها ففي انتخابات نادي قضاة الإسكندرية الأخيرة يقسم القائمون عليها بأنها جاءت نزيهة وشفافة كالكريستال ولا أفهم كيف تكون كذلك إذا لم يحترم القائمون عليها رغبة المرشحين فيها بعدم المشاركة. كيف يكرهون النجاح بالتزكية ويصممون على الدخول في انتخابات لكي ينجحوا فيها بالكامل.
أليس ذلك دليلا على أنها تمثيلية وأن رأي الطرف الآخر ليس مهما وإذا لم يعجبه فليضرب دماغه في الحيط هذه بالضبط هي النغمة السائدة فتغمق الصورة أمام عيني فهي نغمة تجر معها المزيد من اليأس والإحباط تلك السلع المتوافرة باستمرار في الأسواق المصرية بفعل سنوات القهر والودن اللى من الطين والأخرى من عجين لهذا النظام. وتعجبت لتلك الفرحة التي نمت في الأوساط الصحفية لتراجع تيار الاستقلال بينما كنت في قلب الألم لتراجع هذا التيار تماما كما كنت في قلب الألم للتنكيل الذي يحدث بشباب 6 إبريل وكأنهم لا يريدون على أرض مصر إلا صوتا واحدا باستمرار يبارك ويهلل لإنجازات السيد الرئيس وابنه وحزبه ولجنة سياساته ورجالاته.
إنهم لا يريدون أن يفهموا أن هذه الدولة الكبيرة القديمة ذات الثمانين مليون نسمة يستحيل قطعا أن تكون دولة صوت واحد.. حتى وإن ألقي بنصفه في السجون والمعتقلات وحتى وإن تصنع الناس مظاهر الولاء والتأييد لبعض الوقت. لقد زهقنا من كبسة الأمن على صدورنا.. أنفاسنا وعقولنا. وأقول لرجاله على طريقة الزميل عمرو أديب أرجوكم لا تبقوا معنا.. حلوا عنا واتركونا نحلم.. دعونا نفكر.. سيبونا نعيش
اقرأ أيضاً:
أحب أقول للحلو إنت حلو... في الدستور/ زمن اللاخنازير