بعد أن انتهت من سرد مشكلتها بعلاقتها بزوجها، وفي ختام رسالتها إلى موقعنا: أدعو الله أن يهدينا إلى فعل الخيرات، وترك المنكرات، وفي إجابتي عليها قصدت أن أوضح أن مفهومها ومفهومنا عن المنكر ربما يحتاج إلى تعميق أو تغيير أو تطوير، وأحسب أن مفهومنا عن المعروف يحتاج إلى نفس الشيء!!
تعلمت من شيخي "محمد الغزالي" أننا مصابون في ترتيب أولويات ديننا ودنيانا، فالبعض منا –وأخشى أنهم قد صاروا أغلبية- يعتقدون أن إطالة اللحية أو صيام النوافل خير وأحب إلى الله من قضاء حوائج المسلمين، أو إحسان العمل، أو طلب العمل، أو البحث العلمي أو المعملي!! فمن يعرف أو يقرأ؟!
وينتشر بين عامة المسلمين أن تعلم العلم الشرعي أفضل عند الله من الفيزياء والكيمياء والطب، وكأن الدين مكانه المسجد، وكتاب الفقه والتفسير، أو مجلس الذكر أفضل من عالم ينكب على أسرار الذرة أو النواة يسخرها لمصلحة المسلمين، أو باحث في معمل يستكشف دواء أو مصل ينقذ البشرية من مرض أو وباء!! هذا خبل!!!
وبالتالي فقد صرنا نحتفي ونحتفل بمن تضع على شعرها الغطاء الشرعي أكثر مما نفرح بمن تعلمت علما يحتاجه الناس أو توصلت لمخترعات تفيد الإنسانية!!!
سمعنا عن ممثلات وراقصات عدن إلى طبيعة وفطرة وأوامر الله، وفرحنا وهللنا، فمن سمع عن مخترعة أو مبدعة في ميادين بحث أو علم أو مهارة؟!!
وإذا قال جهبذ أن الممثلة أو الراقصة قد غالبت فتنة الأضواء والشهرة، وأقول له: أن النابهة المتعلمة المتفوقة قد غالبت فتنة أشد تجتاح أمتنا، وهي فتنة الجهل والاستسلام له محركاً وقائداً!!!
ولدينا حملات ضارية ضد المواقع الإباحية والأغاني الخليعة، بينما لا أسمع صوتاً يكاد يدكر على الكذب في السياسة، أو انحطاط التعليم في المدرسة والجامعة، أو غياب أخلاق التقدم والنهضة من جدية في العمل، أو إقبال على التعلم والحصاد،... أمة تسير بالمقلوب: رأسها مكان نعلها، بينما النعال تقود وتسود وتحرك المسيرة؟!! فمن يقرأ الغزالي؟
عندما صدر تقرير مؤخراً يذكر أن المصريين هم أكثر شعوب الدنيا اهتماماً بالدين كرر البعض مقولة أن التدين الشكلي ينتشر بينما الفاسد والتخلف والانحطاط يزداد أكثر، ورأوا في هذا بعض تناقض، وخاصة أن الإسلام هو رسالة نور وتنوير، ونهضة وتثوير ضد كل السلبيات والخبائث، وأرى أن من أهم الأسباب في هذا التناقض هو الخلل في تحديد السلبيات والخبائث، أقصد ما هو الأهم أو الأخطر، وما هو الأقل خطورة!!
والشهيد "سيد قطب" أدرك هذا وكتب قبل الغزالي، حين تحدث عن انشغال عموم المسلمين بإنكار المنكرات الصغيرة بينما الدين –على حد وصفه- تضيع أصول معالمه، ويُطحن طحناً، ولكن الجهل بحقيقة هذا الدين، وترتيب أولويات حلاله وحرامه، معروفه ومنكراته، هذا الجهل والخلل المترتب عليه أوصلنا إلى ما نحن فيه!!
والغارقون في هذا الجهل مستعدون لمعارك قتل، تسيل فيها الدماء، وتطير الرقاب من أجل إنكار مفسدة أو منكر أقل من منكرات أكبر لا يكادون يرونها أصلاً!! والطاقات تهدر في الحوار والنقاش، والحرص على فضائل ونوافل بينما هناك فرائض تضيع، ولا يكاد يفهم ذلك أحد!!!
صار إسدال الكساء أهم عندنا من إنتاج الغذاء، وصناعة الدواء، أو وقف تدهور العقول والأحوال والمسالك، وكلنا يبكي ضياع القيم، ولا أدري من أضاعها إذن!!! وما هي القيم الأولى بالرعاية؟!
مراجعات عميقة وشاملة نحتاجها لنعرف رأسنا من نعالنا، وأولويات حياتنا وديننا، وقائمة أعدائنا، وأصدقائنا، وخرائط سيرنا، وألغام طريقنا، لأن هذا كله عندنا يبدوا أنه فوضى و"بزرميط"!
واقرأ أيضًا
على باب الله: معضلة الكتابة/ على باب الله: المجرم الأخير!!! / على باب الله: ضحايا النوايا الحسنة