هل هذا وقته يا أبا يحيى؟ هل نحن ناقصون؟
منذ أكثر من عام، كلمتْني إحدى مذيعات الأوربت وطلبت مني الاشتراك في برنامج عن ظاهرة استشرت في الغرب حتى شغلت عشرات الملايين، وأسعدت منهم الكثيرين (كما يقولون)، ظاهرة اسمها "السر"، وتعجبت المذيعة حين أخبرتها أني جاهل لا أعرف عنها شيئاً، فأخبرتني أن ثمّةَ كتاباً، وأن ثمَّة فيلماً، وأن الدنيا تضرب تقلب حول هذا أو ذاك، فطلبت منها أن تمدني ببعض ذلك إن كانت مصرّة على مشاركتي، ففعلتْ، وشاهدتُ الفيلم، وتعجبت للترجمة وقد أدخلت أحاديث شريفة وآيات قرآنية بلا حصر في نص الحوار والشرح!... قبلتُ ما قبلت مما قرأت وشاهدت، ورفضت ما رفضتُ، ووجدت وراء هذا وذاك ما يحتاج رأياً ونقداً بشكل ما، وكتبت في موقعي منذ حوالي عام كامل أربع نشرات متتالية عن الظاهرة، وطلبت من المعِدّة الفاضلة أن تقرأها أولاً حتى لا تفاجأ بآرائي التي قد لا تسرها، ويبدو أنها قرأتها، وصدق ظني، ولم تتصل حتى الآن، فنسيت الموضوع.
في العدد الأسبوعي من دستور الأربعاء 11 مارس 2009، فوجئت بأن رئيس التحرير، صديقي عن بعد، الذي أتصور أني أعرف حماسه، وثورته، وطفولته، وغضباته، وسخطه، وأخطاءه، فوجئت به يكتب عن هذه الظاهرة، ويعتبر أننا مصابون بالفصام لرفضنا ".. المتصلب الاقتناع أو التعامل مع فكرة أو رؤية ينتجها الغرب""إلخ، أفوّت لك يا أبا يحيى استعمال كلمة "الفصام" هذا الاستعمال الخائب، لأن كثيراً من زملائنا يحذون حذوك، أو لعلك أنت الذي حذوتَ حذوهم، لكن الذي لم أستطع أن أفوته هو تعرضك لظاهرة بهذا الالتباس، ونشرها بهذا الحماس، وكأنك نسيت مـَنْ تخاطب، ومتى!.
أنا لا أنكر أن في عمق هذه الظاهرة فكرة تستحق النظر، بل ربما تكون حقيقة حياتية جيدة بشكل ما، حتى أني عنونت مجموعة مقالاتي حولها بعنوان يقول: "حبة لؤلؤ وسط كومة قش"، وقد فكرت أن أرسلها لك لتتصرف فيها إن رأيت صلاحيتها للنشر كاملة، وليست مجرد تعتعة، لكني عدلت حتى لا أشغل الناس –ناسنا بالذات، خاصة في وقتنا هذا- بظاهرة لن يلتقطوا منها إلا وجهها السلبي كالعادة، استعجالاً للحصول على مكاسب سريعة، مادية جداً، لذيذة جداً جداً، وسريعة خالص، وخلاص، لا أظن أن فينا الآن –إلا نادراً- من يريد أن يبذل جهداً كافياً في البحث عن اللؤلؤة الجوهر في علاقتنا مع الكون الأعظم كدحاً إلى وجه الحق تعالى، الذي سيغلب هو أن يقنع الجميع بخيالات تتراقص على لمعة الضوء على أعواد القش، فيتمددون فوقها تحت شمس الانتظار الكسول، هل نحن ناقصون يا رجل؟ الآن؟.
الشيء بالشيء يذكر: بين الحين والحين أشارك في مناقشة على فضائية ما ظاهرة العلاج غير التقليدي، ومنه إخراج الجان، وأبحث لها عن تفسير ما. في إحدى هذه المرات، راح (دكتور!) صيدلي يحكي عن خبراته حتى زعم أنه قادر على التفاهم مع الجان لتحريك السحاب، وإثارة الرياح... إلخ، فطلبت منه طلباً أقل من ذلك بكثير، وهو أن يطلب من أصدقائه الجان أن ترجع إسرائيل إلى حدود 1967(وليس 1948 حتى لا نرهق الجان) –وملعون أبو خريطة الطريق على معاهدة السلام– وهذا أضعف السلام، ووعدته أني لن أطلب منهم أن يلقونهم في البحر، لأنهم غالباً سيتركون الأرض بأنفسهم لأصحابها من الجان والبشر.
هل هذا وقته يا أبا يحيى؟ لماذا؟ لماذا الآن بالله عليك؟ هل أطلب منك أن تستلهم قانون "الجذب"، فتجذب لنا عدة مليارات نشتري بها خبزاً، أو نصحح بها التعليم؟
أختم بمقتطف من مقالك حتى لا يحسب الناس أنك لست آخذاً بالك. تقول بعد أن أشرت إلى بعض التشابه بين هذه الظاهرة وبين الدعاء وبعض ما ورد في قرآننا الكريم،"..ستقول لي: ولماذا لا نعود للقرآن إذن؟ أجيبك يا ريت تعود يا سيدي، لكن لا مشكلة في الاستفادة من نص دنيوي وعطاء إنساني وفكر علمي ما دام شرح على متن مفهوم قرآني، ومتى عرضنا أفكار هذا الكتاب على ثقافتنا فسنجد فيها كثيراً منه."
بل توجد ألف مشكلة، ثم إن ما قيل ويقال حول هذا "السر" ليس فكراً علمياً، مع أنني لا أقيس نفع الناس بعلم مغلق، له كهنة مغتربون، الذي يريد أن يتناول هذه الظاهرة سيجد نفسه في مجال توسيع مناهج المعرفة، والبحث عن وسائل أحدث لتوثيق علاقتنا بهارمونية الكون الأعظم إلى وجه الحق تعالى، كشفاً، ومعرفة، وإبداعاً.
وإن شئتَ –أو شئتم– التفاصيل، فلنا عودة.
نشرت في الدستور بتاريخ 15-4-2009
اقرأ أيضا:
تعتعة سياسية: الوصايا العشر، لحكّام العصر، في بر مصر / تعتعة... الآخرون / تعتعة: المأزق الانتحاري، وأن تولد من جديد!