يأتي رمضان، معاناة المواطن مع الكد اليومي، الصيام، الرغبات وقلة اليد، يأمل في المساء في مشاهدة شيئا يسليه قليلا، ويضحكه بذكاء ويرفه عنه.
لكنه يصطدم بأعمال هزلية غاية في الرداءة، تزيد من تنغيص حياته بدل التنفيس عنها، والجميع اتفق على أنها مهازل، في الجرائد والمجلات والرسائل المتبادلة على صفحات شبكة الفايس بوك على النت.
ولا أعتقد أن وزيرة الثقافة، المسرحية التي أدت أدوارا مركبة، تستسيغ هذه الأعمال التي صنعت على عجل، يشوبها الارتباك،ضعف الحوار والتهريج المفرط.
لكن لماذا تتكرر نفس هذه المشاهد، تتكرر نفس الانتقادات، نفس الوجوه نراها في كل عام، ولا يتغير أي شيء تقريبا؟ وهل من أمل في التغيير؟ كيف ذلك؟
في الواقع، يجب أن لا نتفاجأ من الواقع الفني الرديء، فهو يعكس الأحوال الاجتماعية الراهنة..
ويجب أن لا ننتظر الكثير من فنانينا -البارزين- لأنهم بساطة يؤدون خدمة كسائر المواطنين. هي إضحاكنا.
إضحاكنا مقابل تعويض مادي تمنحهم إياه إحدى التلفزتين،ويتحكم في العمل حوار معين أقرب إلى الابتذال منه إلى الفنية، لكنهم لا يقومون بإضحاكنا كما يجب.. بل قد يزيدون في امتعاضنا بفعل قلة الأدب أحيانا والتفاهات الفارغة... وهم بذلك قد لا ينزعجون البتة، بل يوجهون إلينا السؤال "ما بالكم، ماذا تطلبون منا؟، نحن كسائر المستخدمين، انظروا إلى ناهي المال العام، إلى الموظفين الأشباح، إلى الموظفين والمدرسين الذين لا يقومون بواجباتهم، إلى ممثلي الشعب.. الخ. الزمن مادي والفرص لا تعوض، نريد نحن أيضا حقنا من الكعكة، كعكة الدولة -البقرة الحلوب-.. ونحن ليس لنا إلا الفرصة، ليس لنا سواها.."
وهنا عينا أن ننعش ذاكرتنا،فلم يمر على الانتخابات السابقة سوى شهرين أو أكثر بقليل،كان ممثلو المواطنين في الحملات الانتخابية يصرخون بأعلى أصواتهم؛وكذلك يفعل بعض الممثلين، يرفعون أصواتهم إلى أقصاها إلى حد كسر الصمت في الشارع الفارغ ساعة الإفطار؛ وكان الممثلون المحليون يتقمصون كل الأدوار الممكنة، من التأدب مع الناس والدروشة، إلى الضحكات الصفراء والوعود الكاذبة؛ وكذلك الحال في هذه المسلسلات -الفكاهية- قد يلعب الممثلون أحيانا أدوار النساء بالماكياج والشعر المسدول لفقر في الإبداع، أو يلعب احد الفكاهيين دور الزوج والأم في آن واحد.. هل ذلك راجع لقلة النساء الممثلات، لضعف الأداء، أو لأخذ التعويض مضاعفا.. هل أنا مخطئ..
كما أنهم يقومون بالدور كأنهم واقعون تحت الإكراه: الفنان الحقيقي لا يبدو انه يمثل، والكوميدي يرفه عن المشاهد دون صراخ كثير.. بينما يصرخ هؤلاء وكأنهم يأمروننا "اضحكوا هذا أمر".
حالة أخرى مثيرة، حينما اجتمع في سلسلة باسم الحاج.. ذلك الكم الهائل من الممثلين الذي يبدو انه أحدثت لهم أدوارا على مقاساتهم ليس إلا وفي ذلك ما فيه من ضغط على الحوار وترقيعه.. لا تتعجبوا، ففي إحدى الحكومات العربية ومن أجل إرضاء كل الكشكول الحزبي، وصل عدد الوزراء إلى 40 وزيرا لدولة لا تتعدى 30 مليون، بينما الصين صاحبة أكثر من المليار من البشر كان عدد وزراءها حوالي العشرين وزيرا..
الممثلون كالمتحزبين يتكاثفون فيما بينهم، إنهم يتضامنون من أجل رغيف الخبز الذي استعصى في هذا الزمان والذي لا يبلغه إلا من تعلم فن الدهاء والمراوغة واللعب بعقول الناس، وليس ذلك الفن الرفيع ولا الكوميديا الهادفة والترفيه عن الناس.
واقرأ أيضاً:
أسئلة عن الإنسان السعيد؟ / القنوات الفضائية: تدين وإشهار