سرحت بخواطري في هيبة الدولة. عائدة مرهقة من الخارج في انتظار المصعد لأصعد إلى بيتي لأجد أمامي الزاوية التي بناها عم الحاج المعلم مغتصب عمارتنا بميكروفونها الكبير. تذكرت بعد أن أخذتني المشاغل أن هناك كومة كبيرة من القرارات قد صدرت فعلا بإزالة تلك الزاوية، الأكثر من ذلك، تذكرت الفتوى الشرعية التي علقتها منذ شهور على باب عمارتنا والتي تقول إن إقامة الزوايا على أرض مغتصبة ودون مراعاة الجيران هو أمر غير شرعي. كنت قد فرحت بهذه الفتوى كثيرا، قدر فرحتي بالقرارات التي أصدرتها الجهات الحكومية بالإزالة.
كل هذا أصبح باهتا الآن ولا معنى له، حبر على ورق، لأن أحدا لا يحترم قرارات أصدرتها الدولة حتى الدولة نفسها (أقصد المحافظة والحي) والنتيجة لا تتعلق بالزاوية وحسب فلقد وقع تحت يدي خطاب مرسل من ملاك عمارة سكنية مجاورة يحذرونني وغيري من التعامل مع المعلم الحاج وأعوانه الذي وعلى ما يبدو يحاول اغتصاب عمارتهم أيضا. هذه هي إذن نتيجة الفوضى والفساد وها هي شريعة الغاب تنتقل من شارع إلى شارع ومن عمارة إلى عمارة بلا رادع. والدولة أذن من طين وأذن من عجين. وقلت لنفسي وماله فما الذي كنت أتوقعه من الدولة إذا كانت هي ذاتها لا تحترم أحكام القضاء.
لقد رفعت قضية على الدولة طلبت فيها إلغاء شرط حصول الإعلاميين على الورقة الصفراء قبل السفر إلى الخارج. جلسات ومذكرات ودفوع ومحامون ومرافعات وجهود بذلت وأموال أنفقت وصبر كثير، صدر بعده حكم طويل عريض من كذا ورقة فولوسكاب مليء بالأبحاث والحيثيات، صدر لصالحي ولصالح كل من يلتزمون بهذه الورقة، وكالعادة استشكلت الدولة في التنفيذ أمام محكمة غير مختصة. وكالعادة محامون ودفوع أيضا وحكم طويل عريض برفض الاستشكال المقدم من الحكومة وتأييد الحكم السابق لصالحي. ومع ذلك لم تنفذ الدولة لا هذا ولا ذاك حتى الآن. هكذا وببساطة، إذا كانت الدولة لا تحترم أحكام القضاء فكيف نتوقع منها الحرص على احترام الناس لقراراتها ذاتها. مستحيل طبعا إلا إذا كانت هذه القرارات تتعلق بمصالح الحكام وليس بالصالح العام.
أمر خطير للغاية فالفوضى تعم في مصر ولا يوجد نظام ولا التزام من أي نوع، ويصبح من الطبيعي في قلب هذه الغابة أن يغضب سائق ميكروباس فيدهس وكيل وزارة عمدا، أو يتشاجر شاب مع ابن الأستاذ كمال فيضربه فيفقد بصر أحد عينيه ويفشل الأب المكلوم في الحصول على حق ابنه بالطرق السلمية وأن تتحول أيام العيد الذي يغنون له أنه "العيد فرحة" إلى "العيد رعب" أو بالأحرى "العيد تحرش". ومع ذلك ليس أمامنا إلا الأمل في بكره أفضل وتحمل مسؤليتنا في رسم شكل بكره. أنا مصممة على استعادة حقوقي بالكامل ولن أستسلم لليأس لأنهم إذا كانوا هم هكذا فلا أقل من أن نكون نحن هكذا وبإصرار...
اقرأ أيضاً:
قطعة من التاريخ تمشي على الأرض.. كان صديقي/ الحمار الطائر