تعليق على مقال لعلاء الأسواني بعنوان هل أصيب المصريون بمرض استوكهولم؟
نُشر في صحيفة الشروق
إن ما أثير، وما يثار، من جدل حول موضوع النقاب أثار في نفسي غريزة التنقيب والتفكير إلى أن قررت كشف النقاب عما يدور في أغوار نفسي من صراع..
صراع...
بين ما أميل إليه وأعتقد فيه من رأي في أن النقاب ما هو إلا عادة، وليست فريضة، كان لها ما يبررها في المجتمعات التي بدأت فيها (من قبل أن يتنزل القرآن الكريم)، وقد جاء القرآن الكريم بعد ذلك، مشفوعاً بما ثبت من السنة النبوية الشريقة، بالتأكيد على فرضية الحجاب (وليس النقاب)، والتي تختلف مواصفاته قليلاً عن النقاب الذي يُشترط فيه إخفاء الوجه والكفين وهذا ما لم يؤكد عليه الحجاب بل وأباح ظهور الوجه والكفين، بل وأكد على أهمية ذلك في الحج، مع تطابق كل منهما (النقاب والحجاب) فيما هو ركن من أركان زي المرأة في الإسلام، ألا وهو أنه لا يشِّف جسدها، ولا يصف مفاتنها، وأن يكون سمة من السمات التي تُعرف بها المرأة المسلمة وسط مَن غيرها من النساء..
وصراع...
في النقيض بين أن يُذبح الإسلام على بوابة (عادة) النقاب، والتي هي من التراث (إن صح التعبير)، وأن يُستباح دم المسلمين، باسم الإسلام تارة، وباسم الحرية تارة، وباسم الحضارة والثقافة، وباسم التحليل النفسي أو التوصيف المرضي تارة، وباسم الأمن والحماية تارة، مع غض البصر عن (ظاهرة) الخلاعة والعري بل والحجاب المزعوم (المطعم بالبودي، والاسترتش) والذي يكاد أن يظهر كل مفاتن الجسد المألوفة وغير المألوفة مقابل تغطية الشعر (على عِلاّته)..
وهكذا، أصبح كل من (هبّ ودبّ) من المسلمين ومِن غيرهم يدلي بدلوه ليُريق بعضاً من الدماء الشريفة المُستباحة، وليتفرق الدم بين القبائل بعد أن يصل كل منهم إلى مأربه وهدفه من الهجوم على النقاب، شريفاً كان أم غير ذلك... فنجد من يهاجم الإسلام صراحة، ومن يهاجم كل مظاهر الإسلام مدعياً أن الجوهر هو المهم فقط، ومن يهاجم فكر السلفيين والوهابيين كله، ولو أن الهجوم لم يَستثني الإخوان المسلمين بالرغم من استعمال اسمهم (عند الزوم) لإخفاء التوجُّه (اللا ديني)، كما نجد من يدعو للإباحية، وإلى عولمة الدين والسلوكيات ويخص بذلك المسلمين فقط، وكأن العولمة تقوم على تذويب هوية المسلمين دون غيرهم من البشر..
وصراع...
أيضاً مع هؤلاء ممن يجدون فرصة لتمرير رأيهم في قضايا أخرى ليس لها صلة بالنقاب بأن يبدؤوا برفع شعار (أنه يوجد ما هو أهم من النقاب لنناقشه، وبعد أن نفرغ منه يأتي الوقت لنقاش مثل هذه الأمور)، فيبني ما يريد أن يصل إليه على حساب إضعاف قضية لا تعنيه شخصياً، ولكنه يستفيد من تواجد عناوينها المنتشرة في ذلك الوقت من لفت النظر لما يقوله ويريد نشره من ترويج للناصرية –مثلا- أو لما هو غير ذلك...... كأن يبدأ كاتب في السياسة مقولته (أو عنوانها) بلفظ مستلهم من الأوضاع الحرجة لمنتخب كرة القدم، وأسباب الفشل في مباراة مصيرية، بادئاً مقالته السياسية بالتعليق على نتيجة المباراة، ثم التقليل من حجم الحدث مقارنة بما يريد هو الخوض فيه من سياسة أو غير ذلك من أفكار.
وأنا أعتقد أن هذا الأسلوب فيه من السلبية وله من الأضرار الكثير، فهو يثبط الهمم ويدعو إلى اللامبالاة وإلى تعويم كل الأمور. فترتيب الأولويات لا يعني التقليل من شأن الأساسيات أو إلغائها، فستر العورة أساس تنهار بانهياره الكثير من الأولويات من احتياجات البشر حتى لو كانت هذه الأولويات هي العدل والإنسانية، وهو من الأولويات البديهية قبل رغيف الخبز أحياناً..
ولماذا نعتبر الحديث عن ستر عورة المرأة اختصاراً للإسلام على الشكليات، من قال أن قضية الحجاب أقل شأناً من ترْك الصلاة؟ وهل تجوز الصلاة بغير حجاب؟، وهل الكلام في فرضية الصلاة هو قصر للإسلام على الشكليات؟
وهل ستتحسن أحوال المسلمين السياسية والاجتماعية وهم تاركون للصلاة؟.. قد يجوز أن يحدث ذلك لغير المسلمين فلا يجب القياس عليهم، فمن اعتنق الإسلام لن ينصلح حاله إلا بتطبيقه، وإلا تختلف المقاييس والمعايير..
فيجب على المخلصين من دعاة الرفاهية وتحسين أوضاع المسلمين أن يناقشوا ما هو أسلوب التفكير والسلوك العام الذي يفرضه الحجاب، كما تفرضه الصلاة والصيام وكل الشعائر حتى تُقبل عند الله بدلا من التقليل من أهمية ما يدل على الهوية الإسلامية من مظاهر وشعائر.
فهل يجوز للمسلمين أن يهبوا في تظاهرة لنصرة العدل والمساواة باسم الإسلام وهم يرتدون ملابس الشواذ من الرجال، والعاهرات من النساء؟؟ أم لابد من إظهار هويتهم الإسلامية التي ينطلقون منها لنيل مالهم من حقوق، استيفاءً لتنفيذ ما عليهم من التزامات؟؟
ألا نرى أن جماهير المنتخب الكروي يرفعون لون العلم في المباراة بالرغم من تشجيهم (للعبة الحلوة)، ألم يظهر الشاذ بملابسهم الدالة على هويتهم في التظاهرات؟
وصراع...
مع من ينتهز فرصة ذبح النقاب في أن يذبح ما لا يشتهيه من مظاهر الإسلام الحقيقية والأساسية، تحت بند التفريق والفرقة بين المظهر والجوهر، متناسياً أن المظهر هو عنوان الجوهر..
وصراع آخر...
مع هؤلاء الذين ليست لهم ناقة ولا جمل ويتنهزون الفرصة للنيل من الإسلام العظيم ومن ثوابته المتينة.
ليس بدون تعليق
الأزهر الشريف..
ما أشجع القتوى في عدم فرضية النقاب، وما أقواها (على غير العادة)، وما ترتب عليها من قرارات موضوعية وعملية، في مقابل غياب الفتاوى والقرارات في أمور لا تقل أهمية (دينية أم أمنية، أو سياسية)، مثل.........
أجهزة الأمن..
ما أحرصها على تنفيذ الفتوى وتداعياتها بمنتهى السرعة والشفافية... بنفس المنطق، وما أكسلهم في تنفيذ ما هو على نفس القدر من الأهمية مثل..........
الإعلاميين..
ما أنشطهم في عرض الرأي الأخر، والرأي (الآخر)، مع غض البصر أو حتى الترويج المستتر أو السافر للكثير من الفتن والأفكار المسمومة.
نشطاء الحريات (المسموح بها)...
ما أكثر سفسطتهم وسطحيتهم..
الكُتاب والنقاد..
ما أكثر كلمات الحق التي يُراد بها باطل
نشطاء الحفاظ على التراث...
ما أذكى اختياراتهم، فهي لا تشمل ما قد يفضح تراثهم
راهبات الكنائس...
ما أروع ما يبدو عليهن من وقار وحشمة، وما أحلى ما يرتدونه من ثياب.. وما أكثر حظهن، فهن لا يتعرضن لأي نقد أو تجريح بسبب ما يرتدينه..
السياسيون....
ما أخبثهم.... فهم يرتدون النقاب.. ويحاربون به من ليس منهم..
العوام...
ما أتعسهم....
اقرأ أيضاً:
كل "إمام" ينضح بما فيه / مصيبة الأزهر وشيخ السوء