برج القاهرة للمرة الثانية، وأثناء نزولي هذه المرة تقابلت مع سيدتين منقبتين كانتا تقبلان علي. سيدتان في غاية الرقة والظرف سلمتا علي وطلبتا التقاط صورة تذكارية معي، رحبت بالطبع، ووقفت معهما للصورة عندما فاجأني السؤال في عقلي، كيف ووجهاهما لا يظهران؟ أحترم الحرية الشخصية لا شك لكني لم أستطع منع نفسي من السؤال. وبدأت أسير وعيناي مفتوحتان وكأني أرى للمرة الأولى وفوجئت فعلا أن عدد المنقبات كبير، متى حدث هذا لنا في مصر وكيف؟.
في ذاكرتي القريبة مشهد آخر لامرأة تعمل منادية، شخصية مقتحمة وقوية مرتفعة الصوت تعطي التعليمات للسيارات هنا وهناك ولم يستطع نقابها إخفاء القدر الهائل والملحوظ من الحيوية والذكاء في عينيها. من حق كل امرأة أن تتدين بالطريقة التي تشاء ولكن الأسباب اختلطت في ذهني. هل يمكن أن يكون للنقاب أسباب أخرى أيضا؟. إن تلك المنادية ترتدي النقاب لأنها تريد أن تدفع عن نفسها أذى الرجال وتحرشاتهم. وقد تأكد لي هذا الاقتناع عندما بلغ التصويت نسبة 80% بالإيجاب على سؤال طرحته في برنامجي، السؤال يقول: هل المرأة مسئولة عن تحرش الرجال بها؟ عدت لبيتي وغلبني النوم على السؤال ورأيت نفسي في أحلامي أعبر بوابة بيتي إلى الشارع وأنا أرتدي النقاب لكي أتفادى نظرات هؤلاء الذين يقفون للداخل والخارج حول الزاوية التي بناها عم الحاج علي الحديقة الخلفية رغم أنف القانون ودار الإفتاء.
المرأة تتراجع أمام لا إنسانية الرجل وهذا قمة الاعتداء على الحرية الشخصية وكأنهم يتولون عملية الحساب على من يعرفونه ومن لا يعرفونه على طريقة جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذين يسيرون بالعصي في شوارع السعودية. هل يمكن أن يكون النقاب تعبيرا عن حالة انسحاب بسبب الإحباط من كل ما حولنا؟ هل هو احتجاج صامت؟ الكثير من علامات الاستفهام. من داخل النقاب أجد نفسي قادرة على رؤية وجوه الآخرين وتعبيراتهم من داخل مخبأ وكأني أتجسس على الناس دون أن أسمح لهم حتى بقراءة الانطباعات التي يمكن أن ترتسم على وجهي وفي الوقت ذاته يداخلني خوف وارتياب يجعلني لا أجرؤ على ركوب مصعد مع منقبة وحدي، وما أدراني! ألا يمكن أن يكون الإنسان داخل النقاب امرأة أو حتى رجلا يضمر بي شرا؟ مصر تتغير وأترك لكل من يقرأ حروف كلماتي السؤال مفتوحا، هل مصر تتغير للأحسن حقا أم للأسوأ؟
اقرأ أيضاً:
الحمار الطائر/ مؤتمر الدول الموقعة علي اتفاقية محاربة الفساد