طرقت باب منزلنا طرقات متتالية ثم دخلت وهي تتقافز والفرح يتألق على وجهها، وتسأل بتعجل: “أين طنت نرمين؟”
ناديتها قائلة: أنا في الغرفة يا صغيرتي تعالي.
ركضت بحماس إلى الغرفة وهي تضحك ضحكتها العذبة التي تميزها ومدّت كلتا يديها تعطيني دفترها الصغير، وعيناها تنظران لملامحي نظرة فاحصة وتقول: "شوفي عملت إيه؟"
كنت أراجع موضوعاً يختص بعملي، فنحيت الكتاب جانباً وابتسمت لها وقلت: "أريني، ما هذا؟"
قالت لي قريبتي الصغيرة "حبيبة" ذات الخمسة أعوام بفرح وفخر، وهي تشير إلى دفترها الصغير: لقد عملت "البحث" الذي طلبته مني.
نظرت لها بحيرة، وأنا أعتصر ذاكرتي في محاولة لتذكر عن ماذا تتحدث، لكن الذاكرة لم تسعفني.
أكملت بفرح: لقد جلست أنا وبابا على النت، وعملنا بحثاً عن صناعة المراكب الشراعية في مصر، انظري.
قرأت جملها البسيطة المكتوبة بقلم الرصاص بخط طفولي محبب، وتظهر فيه آثار استخدام الممحاة التي تخبرك أنها بذلت جهداً ووقتاً في تحسين الخط وإتقان الكتابة.
كانت عبارات بسيطة عن صناعة المراكب في إحدى مدن محافظة دمياط تسمى: عزبة البرج.
تهلل وجهي وقلت لها: رائع يا حبيبة، بحث جميل، هل أنت فعلاً من قامت بهذا البحث؟
احمر وجهها خجلاً وقالت: "هو بابا ساعدني شوية".
قلت لها، لا مشكلة، لكنه بحث رائع. من فضلك اقرئيه لي.
وقفت باعتدال وأمسكت الدفتر وبدأت تحاول القراءة وتتهجأ الكلمات (فقد نقلت الجمل من الإنترنت) بصوت عالٍ وكأنها في الفصل المدرسي.
وبعد أن انتهت من القراءة، وقفت تنظر إليّ وكأنها تنتظر شيئاً، وحينما لم أتحدث، قالت: متى سنقوم بالرحلة إذن؟
جعلت أحاول التركيز لتذكر أي شيء يرتبط ببحث ورحلة فلم أفلح.
فقلت لها: أية رحلة؟
قالت: مش حضرتك قلتي أنك ستعملين رحلات للأطفال بشرط أن نقوم بالبحث عن معلومات عن المكان الذي سنذهب إليه قبل الرحلة؟ وقد قمت بهذا البحث استعداداً للرحلة بمركب في النيل التي قلت أنك ستأخذيننا فيها.
آآآآآه ، الآن تذكرت. كيف نسيت؟!!!!!!
كنت أجلس مع أختي وقريباتي مع بداية الإجازة الصيفية، فقلت لهن أنني أنوي أن أعمل برنامجاً سياحياً بداخل مصر لأطفال العائلة، فنجمع بين الترفيه والنزهة وبين أن يتعرف الأطفال على معالم بلدهم، وأنني سأقوم بتوزيع المهمات على الأطفال بحسب المراحل العمرية، فالسن الأكبر سيطلب منهم خلال الرحلة أن يكونوا المرشدين السياحيين لنا، وعليه فلابد أن يستعدوا لذلك بجمع المعلومات حول المكان الذي سنزوره بشكل جيد، أما الأصغر سناً فسنحكي لهم قصة المكان بطريقة مشوقة.
لكن انشغالاتي مع تعوّد الأمهات على أن يقوم أحد آخر بدورهن في هذه "الكماليات" بالنسبة للأطفال، جعل الفكرة لا تخرج للنور، لكن يبدو أن حبيبة كانت قريبة منا تستمع لنا، وما اعتبرناه حديثاً وانتهى لم يمح من ذاكرة الطفلة الصغيرة.
شعرت بمشاعر شتى، أولاً: خجلت من نفسي كثيراً أن نسيت الأمر ولم أطبقه بجدية، لكنني شعرت بالسعادة الغامرة أن لاقت كلماتي صدىً عند هذه الطفلة الصغيرة
قلت لها: أنا سعيدة جداً بأدائك، ومكافأة لك سأهديك دفتراً خاصاً من النوع المزركش الذي تحبينه، تعملين فيه أبحاثك المتميزة القادمة إن شاء الله، وسنكتب عليه اسمك بخط جميل.
وسنجلس لنفكر ونختار ما هي الأماكن التي سنقرر الذهاب إليها.لنعمل حولها أبحاثنا القادمة.
كان الفرحة والزهو يتراقصان في قسماتها وهي تتحدث معي وتشعر أنها تحدثني كصديقة كبيرة وليست طفلة صغيرة.
بالطبع كان لابد أن أقوم فوراً بالاتصال بالأب المتفهم الذي شجع الفكرة وجلس واقتطع من وقته المشغول دقائق ليساعدها في بحثها الصغير لأشكره بشدة لتعاونه.
بالمناسبة، حبيبة طفلة عادية جداً في الصف الأول الابتدائي، وليست من أوائل الفصل في المدرسة، بل قد تحدث المشكلات بينها وبين والدتها حول إنهاء الواجب المدرسي!!!!!!!
أطفالنا يا سادة أرض خصبة لتغيير واقعنا، فهلا انتبهنا لهم قليلاً؟
وربما في المرة القادمة أحكي لكم عن محمد ذي الأحد عشر عاماً في يوم 6 أكتوبر.
لكن هذه قصة أخرى.....
اقرأ أيضاً:
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم / أحلام..... مشروعة / خواطر الرحلة: المَلِك