مصر كلها الآن ترقص كيف الجزائر؟
كبير بل شاسع هو الفرق بين هذه الدقائق ومثيلاتها في يوم السبت الرابع عشر من شهر نوفمبر 2009 أثناء مباراة مصر والجزائر.... كنت في ذلك الوقت في عيادتي بمصر الجديدة وكنت أسمع كل دقيقة هتافا وتصفيقا وتصفيرا... واستمر ذلك حتى الساعات الأولى من صبيحة الأحد..... اليوم 18 نوفمبر 2009 أنا في عيادتي بالزقازيق في وسط البلد أيضًا حيث المقاهي والمكاتب ولكنني لا أسمع الآن بعد انتهاء مباراة الفريقين في السودان أي صوت.... فرغم الأعلام المصرية التي كنا نراها في كل مكان مرفوعة أو مباعة أو محمولة في الأيدي، مصر كلها على مدى الأيام السابقة كانت ترفع علم مصر في كل مكان ولا أستطيع أن أنكر اهتزاز قلبي مرات ومرات وانفعالي بمدونة الأستاذة بثينة كامل عن مصر لما بتفرح،..... لكنها مصر كلها الآن في حالة من السكون والإحباط... ربما تعلم المصريون كظم الغيظ، وليس الحزن غير رفيقهم الوثيق اللصيق... وهم معتادون على الإحباط منذ سنوات طوال.... أسمع أحدهم في الشارع يصيح بحزن وانكسار... "يا عم نزلْ العلم يا عم".....
في الصباح كان ابن عبد الله يقول أنه خائف على المصريين مما يتوقع حدوثه لهم في حال الفوز... خاصة وأنهم ككل المصريين عندما يتعرضون لأي إهانة فإن أحدا لا يطالب لهم بحق لأنهم في جميع الأحوال شوية مصريين، والحقيقة أنني لم أكن تصورت حدوث ذلك من قبل لكننا بذلك فتحنا الحديث حول حكاية مباراة مصر والجزائر التي ستجري في المساء في السودان.... قلت له تخيل يا أحمد أحس كأن الجزائريين يقولون للمصريين بأي أَمَارة؟ أو كيف لمثلكم يا أيها المصريون؟ بعد عقود من الخنوع والخضوع والانهيار المستمر للكرامة لستم أهلا للنصر لأنكم بلا كرامة ألم تحاصروا غزة ألمْ؟؟ (يبدو أن الشعور بالذنب عندي عميق اللهم سامحنا يا رب أنا وكل الساكتين في مصر)... ويرد أحمد ليس الجزائريون فقط بل كل الأحرار والواعين في كل خلق الله وليس فقط الجزائريون... ومقارنة نحن نتكلم عن شعب لم يرض أبدا بالظلم وما يزال، بل إن الدماء لم تتوقف منذ أجهضت إرادة الشعب.... وتحدثنا عن الدور الذي قام به كلا من شيخنا فضيلة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي وفضيلة الشيخ عباسي مدني... كذلك قلت له شخصيا لا أرى أن من المكرمات للعرب أن تخرج دولة خانعة خاضعة لإرادة أعدائها وأعداء أمتها مثل مصر لتمثل كل العرب فلعل في العرب رجالا أصحاب كرامة لكن مصر منهم خالية أو هم في سجونها فكيف ونحن نُسَوِّق للهزيمة على مستوى الفكر والسياسة والاقتصاد وكل شيء، كيف نريد أن نمثل المنتصرين، وكيف لنا أن نفوز في الرياضة على بلد تهمه كرامته إلى هذا الحد؟
من الغريب أنني أسمع الآن بعض الفرقعة واضح أن بعض الشباب يحتفلون... سبحان الله بعضهم خطط لأن يفرح فهو يفرح رغم غياب ما يفرحه.... نعم لهذا الحد أرى أهلك يا مصر عطشى للنصر ولعل هذا يحسب لهم بعد سنوات طوال من الهزيمة والانكسار والانحدار والتهاوي على سلم القيم خاصة وعلى سلم كل ما له سلم بوجه عام.... في الصباح أرسلت مجموعة برنامج شبابيك على الفيس بوك رابطا لفيديو إعلاني فيه أغنية قاموا فيها بتحوير كلمات أغنية دقوا الشماسي لعبد الحليم حافظ.. بــ "دقوا الجزاير" رأيت في هذا منتهى الصفاقة وقلة الأدب لكنني فوجئت بأن هذا المستوى من الكلمات في ثقافة التشجيع الكروي هو المعتاد.... ولا أكذبكم تمنيت أن يحبط هؤلاء الذين يعتبرون الانتصار على الجزائر دقا بكل ما تحمله الكلمة من معاني.... والواقع أن من المهم أن يفهم المصريون أنه ليس مستساغا من دولة تعد سداحا مداحا للأعداء من كل صوب أن تغني لانتصارها على بلد منيع يعتز بمنعته ما يزال !
والمؤسف كما قلت لابن عبد الله أن المصريين يبدون في فرحتهم غير مدركين للكيفية التي يراهم بها العالم خاصة الواعين من شعوب العرب والمسلمين... دائما يفعل الأعداء والأصدقاء (الأغنياء) بمصر ما يشاءون وقتما يشاءون فهل الجزائر فقط من دون هؤلاء! (واضح جدا أنني أستشعر انكسار المصريين ولا أدري كيف لا يشعرون كل لحظة به؟).
في عصر هذا اليوم وصلتني رسالة أخرى من مجموعة برنامج شبابيك: من ذاكرة التاريخ... جميلة بو حريد في القاهرة... لعل من نسي التاريخ يتذكر... مصر قلب العروبة والوطنية والقومية، والجزائر بلد المليون ونص شهيد عن زيارة المجاهدة الجزائرية جميلة بو حيرد هي وزوجها إلى مصر ولقائها بعبد الناصر.... وهذا الفيديو أحد الشرائط المسجلة النادرة التي ظهرت فيها زوجة الرئيس الزعيم عبد الناصر التي لم تكن تحب الظهور!
قلت شكرا والله لهذه الأزمة التي لولاها ما كنا سنشاهد مثل هذا التصوير التليفزيوني الذي تعطينا حالة الباقي منه الآن فكرة عن تسجيل مصر لتاريخها أو بالأحرى عن تذكره.... فرغم أن الفيلم موجه للجزائريين إلا أنني أرى المصريين أولى به!
لم أستطع منع دموعي عدة مرات وأنا أتابع المباراة سمعا –فقط- وحقيقة شعرت أنني خجلان لما يفعله لاعبو الجزائر وقلت هذا درس يتعلمه المصريون في كظم الغيظ ولعلهم يظهرون بمظهر من يملك نفسه عند الغضب.. وشعرت أني فخور بأخلاق لاعبي مصر وقلت إذن في خسارة مصر لهذه المباراة خير إن شاء الله وربما كان هذا فداء للفريق والمشجعين في السودان إذ ماذا يمكن أن نتوقع من جمهور المشجعين الجزائري إذا كان هكذا سلوك لاعبي الجزائر؟ يعني لعل هذا أفضل من مانشيت ينعي كم من المشجعين وكم من الإداريين وأعضاء البعثة المصرية وربما أكثر من كل ما نتوقع ويصبح مصيرهم كمصير غيرهم من المصريين! الحمد لله على كل حال وما زلت أطلب من كتاب مجانين ومستشاريها من الجزائر أن يكتبوا لنا تحليلاتهم النفسية لما عاصر مباراة مصر والجزائر من توترات من المشجعين الجزائريين؟........ وبهذا تصعد الجزائر لتمثل العرب في كأس العالم لكرة القدم.... وكنا نتمنى لو أحسن لاعبوها التصرف.
واقرأ أيضًا:
ماذا جرى يا ترى؟! اليوم بجنيه! مشاركة1 / الطب النفسي الكيميائي