من أكثر ما بهرني وأخذ بلبي هو ما رأيته (وهو قليل) من عظمة ملك الله واتساعه، كنت أنظر من نافذة الطائرة فأرى السحاب يحيط بنا في منظر مهيب يشعرك بمعنى:"ملكوت السماوات والأرض" وعندما كنا نقترب من الهبوط كانت المباني الشاهقة وناطحات السحاب التي تتميز بها مدينة نيويورك تبدو كمكعبات الأطفال، وكذلك تبدو السيارات والناس كلعب أطفال متحركة.
ومن المشاهد التي حركت مشاعري وجعلتني أقف أمامها مشدوهة مشهد مميز نراه عند العودة بالطائرة من نيويورك إلى القاهرة، حيث أننا نغادر نيويورك قبيل المغرب ونقضي ما يقارب الست أو السبع ساعات في ظلام دامس، ثم نشاهد مشهدا شديد الجمال وشديد الغرابة، فنرى السماء من نافذة الطائرة وكأن هناك خطا فاصلا إحدى ناحيتيه ظلام دامس والناحية الأخرى ضوء ساطع وكأننا في الثانية ظهرا، منظر مهيب لا يمكن أن أستطيع وصف جماله وعظمته، حتى أن رفيقتي في الطائرة قالت لي: أسرعي بأداء صلاة الفجر ففي دقائق سننتقل من هذا الليل إلى وسط النهار (.... حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْر....ِ)(البقرة:187) صدق الله العظيم.
وعندما كنت أسير في تلك البلاد كنت أرى أنواعا جديدة من النباتات والحيوانات، بل ومن البشر ذوي الألوان واللغات والأفكار المختلفة، ليلهم نهارنا (في بلادنا) ونهارهم ليلنا، تنهمر الثلوج عندهم حتى نكاد نتجمد ويخبرني أهلي في مصر عندما أتصل بهم أن الشمس بمصر ساطعة والجو يتجه إلى الحرارة
ملك الله لا إله إلا هو مالك الملك (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (لقمان:11) صدق الله العظيم، ومع شعوري بعظيم ملك الله واتساعه (ولم أر منه إلا القليل بل القليل جدا) دارت في نفسي هذه المعاني؛
أولا: كنت أقول لنفسي ما هو حجمي وسط مخلوقات الله؟ وشعرت كثيرا بمعنى الدعاء الذي نردده: "ربي إن لك عبيد كثيرون وليس لي رب سواك" وضحكت حين تذكرت أننا أحيانا نعمل عملا صالحا فنشعر بكم من الفخر وكأن أحدا على الأرض لا يفعل مثله، وقد نشعر أحيانا بالرضا عن قليل من الجهد نبذله حتى لنظن أننا عملنا عملا عظيما لم يأت أحد مثله في الكون، ثم إذا نظرنا إلى عدد من يعبدون الله على الأرض لوجدنا أن ما نقدمه هو قليل بل وقليل جدا في جنب الله فهو أغنى الأغنياء عن الشرك، كالطفل الصغير الذي جمع على مدى شهور عشرة جنيهات، فشعر بأنه صار من أثرياء الأرض بينما يبتسم الكبار حينما يرونه ويعذرونه فدائرته الضيقة التي يعيش فيها صورت له أن جنيهاته العشرة هي أقصى ما يمكن التطلع إليه.
ثانيا: تعجبت لعظمته تعالى الذي لا يشغله سمع عن سمع، كنت أنظر للناس من حولي وأقول: إن الله تعالى يرعى كل هؤلاء البشر، يرزقهم، ويعطيهم، بل إن لكل واحد منهم قصة حياة يقدرها الله تعالى، وتعجبت، حينما فكرت أنه مع ذلك فإننا كثيرا ما نشعر بمعية الله تعالى ورعايته، فهو سبحانه لا يشغله رعاية هذا الكم من المخلوقات وتسيير هذا الكون، وعندها، ضحكت من نفسي حينما كنت أتساءل أحيانا: كيف يمكن أن تحل المشكلة الفلانية؟ لكنني شعرت بأنه تعالى كبير قادر، وعندها لهج لساني بالدعاء أسأل الملك من ملكه دون أن أقول له: "أنّى" فقد علمت أنه سيقول: كذلك، هو علي هين.
اقرأ أيضاً:
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم / أحلام..... مشروعة / البحث.... / في يوم السادس من أكتوبر